بعد أن ناشدته غادة عون...كيف ردّ وزير العدل؟

قدّمت الوقفة الاحتجاجية أمام قصر العدل منذ أيام على محدوديّتها جرعة دعم للنائبة العامّة الاستئنافية القاضية غادة عون دفعتها إلى تأكيد “عدم استسلامها ومواصلتها التحقيق في كلّ الملفّات الماليّة والمرتبطة بالدعاوى على المصارف”. لكن على أرض الواقع تُركت القاضية عون وحيدة حتى من أقرب المقرّبين.

فعليّاً، لم يأتِ الدعم للقاضية عون على مستوى ما كانت تتوقّعه. فالتيار الوطني الحرّ لم يحشد ميدانياً نُصرة لها واكتفى رئيسه بالاحتجاج الكلامي، و”الوقفة” أمام قصر العدل كانت هزيلة لناحية أعداد المشاركين فيها، ونادي القضاة تجاهل إصدار بيانٍ كما ناشدته، ووزير العدل هنري خوري أعلن لـ “أساس” وقوفه على مسافة واحدة انطلاقاً من دوره كسلطة سياسية يقف دوره عند عتبة قصر العدل ومحاولة حلّ الخلاف من دون التحيّز لطرف.

وفق معلومات “أساس” لن يُقدِم مدّعي عام التمييز بالتكليف القاضي جمال الحجّار على أيّ إجراء إضافي في ملفّ القاضية المكفوفة يدها، فيما يسعى وزير العدل إلى تضييق رقعة الخلاف بين القاضيَين.

طُرِحت في الأيام الماضية علامات استفهام حول موقف الوزير خوري من الاشتباك القائم بين مدّعي عام التمييز والقاضية عون، خصوصاً بعد إصداره بياناً، وُصِف بالمُتأخّر، بعد أيام من قرار الحجّار الطلب من الأجهزة الأمنيّة التوقّف عن تلقّي الإشارات القضائية منها.

في هذا السياق يقول وزير العدل لـ “أساس”: “طوال الأيام الماضية وقبل صدور البيان عن مكتب وزير العدل، كنت ولا أزال أسعى إلى تضييق رقعة الخلاف، وكنت على تواصل مع الجميع للدفع باتّجاه اعتماد الأصول، لكنّ عملي كان على السكت”. وعلّق قائلاً: “لا أريد نيابة ولا أيّ موقع مسؤولية في المرحلة المقبلة، ما يهمّني هو أن أحمي العدلية من أيّ هجوم خارجي، وواجباتي أن أبقى على مسافة واحدة من الجميع حتى أتمكّن من لجم تداعيات أيّ خلاف ينشأ بين القضاة ويجب أن يحلّ ضمن مؤسّسات القضاء”.

مصير “نداء” عون

أمّا عن حدود تدخّله فيوضح قائلاً: “لا يستطيع الوزير التدخّل، فهو ليس محكمة للفصل بين قاضيَين أو إطلاق أحكام ولا يخوّله القانون أن ينتصر لقاضٍ ضدّ آخر عند حصول خلاف. هذا الأمر غير وارد بالنسبة لي. كنت قاضياً وكنّا نشكو من التدخّلات السياسية. عملياً، دور الوزير، كسلطة سياسية، هو محاولة حلّ الخلاف، وهذا ما أفعله”.

ماذا عن مناشدة القاضية عون له، كما قالت، “للتدخّل فوراً لوقف قرار الحجار الباطل والمخالف للقانون لأنّ هذا القرار يعود حصراً إلى وزير العدل بناءً على طلب التفتيش القضائي”، يردّ الوزير خوري: “هناك نصّ واحد يرعى هذه الحالة، وهو عندما يكون التفتيش القضائي يُحقّق مع قاضٍ وتكتسب التحقيقات أهمّية استثنائية، عندها يستطيع الاقتراح على وزير العدل وقفه عن العمل. لكن في حالة القاضية عون لم يتمّ وقفها عن العمل، وملفّها حالياً موجود في الهيئة العليا للتأديب، أي تجاوَزَ التفتيش القضائي والمجلس التأديبي. وفي الهيئة العليا لا نصّ يحكم هذه الحالة إلا إذا قرّرت الهيئة العليا للتأديب مسبقاً، وقبل أن تصدر النتيجة النهائية، الاقتراح على وزير العدل أن يُقدِم على خطوة معيّنة”.

يرفض وزير العدل إعطاء أيّ رأي في ما أقدَمَ عليه القاضي الحجّار: “لا أستطيع إعطاء رأي حتى لو كان لديّ تصوّر. هناك مجلس القضاء الأعلى أو التفتيش القضائي، وهما المخوّلان الفصل في صحّة هذا التدبير إذا رُفِع الملفّ أمامهما أو بادرا إلى أخذ خطوات حياله”.

يُذكر أنّ وزير العدل أصدر بياناً أشار فيه إلى أنّه “في إطار ما يحصل بين النيابة العامّة التمييزية والنيابة العامّة الاستئنافية سيقوم بدوره ضمن صلاحيّاته، وسيعمل على حلّ كلّ خلاف يؤثّر على سير العمل القضائي”.

وفق متابعين لمسار القاضية عون استندت الأخيرة من خلال مناشدتها لوزير العدل التدخّل إلى نصّ موادّ أُلغيت في زمن النفوذ السوري عام 2001 حين وُسِّعت صلاحيّات مدّعي عام التمييز، المعيّن من قبل مجلس الوزراء، أي السلطة السياسية، إلى حدّها الأقصى على حساب صلاحيّات وزير العدل إبّان تولّي القاضي عدنان عضّوم مهامّ مدّعي عام التمييز.

وضع استثنائيّ

في السياق نفسه، وفي مقابل تأكيد عون مواصلتها التحقيق في الملفّات المالية والمصرفية التي جَلَبَت لها قراراً من رأس النيابات العامّة بكفّ يدها بعد الطلب من الأجهزة الأمنيّة التوقّف عن الأخذ بإشارتها القضائية، فإنّ أوساطاً قضائية تتحدّث لـ “أساس” عن وضعٍ استثنائي يواجه النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان، إذ “يمكن لها أن تتابع تحقيقاتها بأيّ ملفّ موجود على طاولتها (دعاوى على المصارف أو ملفّ أوبتيموم أو أيّ ملفّ آخر) وتستدعي من تشاء لسماع إفادته وتستطيع توقيفه أو حفظ الملفّ أو تدّعي وتحيله إلى قاضي التحقيق. يمكنها أيضاً إصدار بلاغات بحث وتحرٍّ ومنح إشارة قضائية لأيّ جهاز أمنيّ بالتوقيف، لكن بناءً على قرار مدّعي عام التمييز لا يستطيع الجهاز الأمنيّ المعنيّ التنفيذ. أمّا الملفّات الموجودة أصلاً في المخافر، أي الأجهزة الأمنيّة، فلا سلطة لها عليها”.

تؤكّد الأوساط أنّ “مدّعي عام التمييز لم يسحب الصلاحيّات من يد النائبة العامّة الاستئنافية، بل حصر كفّ اليد بمنع الأجهزة الأمنيّة من تنفيذ إشارتها القضائية”.

“عقاب” عويدات

الجدير ذكره أنّ مدّعي عامّ التمييز السابق غسان عويدات كان أصدر في نيسان 2021 تدبيراً عقابياً أيضاً بحقّ القاضية عون قضى بإصدار قرار بتوزيع الأعمال في دوائر النيابات العامّة الاستئنافيّة في جبل لبنان، فأُوكل إلى القاضي سامي صادر جرائم الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، والجرائم الماليّة المهمّة للقاضي سامر ليشع، وجرائم القتل للقاضي طانيوس السغبيني، وطلب منها إحالة ملفّات الجرائم غير المشهودة التي لا تزال قيد النظر لدى النيابة العامّة إلى هؤلاء القضاة، ولم يسحب منها صلاحيّة منح الإشارة القضائية، بل طلب من جميع الأجهزة الأمنيّة بصفتها ضابطة عدلية المساعدة في التقيّد بأحكام هذا القرار.

نادي القضاة

بدا لافتاً في هذا السياق عدم صدور أيّ بيان عن “نادي القضاة” الذي ناشدته عون التدخّل أيضاً بعدما عايرته بـ “السكوت المشبوه”، ناصحة إيّاه بـ “الإقفال أشرف لكم”.

لكنّ أوساط نادي القضاة تؤكّد لـ “أساس” أنّ “عدم إصدار موقف هو موقف بحدّ ذاته، سيّما أنّ النادي أطلق تحذيرات عدّة سابقاً من مغبّة وصول الوضع القضائي إلى هذا الدرك. وهو وضع يُبرّئ النادي من تهمة الشرذمة، فنحن نشهد جولات كباش لا علاقة للنادي بها، فيما يحاول النادي الإضاءة على الواقع السيّئ الذي وصل إليه القضاء”.

تضيف الأوساط: “صحيح أنّ القاضية عون أخطأت في بعض المسائل، لكن في المقابل لا يحقّ لمدّعي عام التمييز أخذ هذا القرار لأنّه عقوبة تأديبية مقنّعة، ومدّعي عام التمييز لا صلاحية تأديبية له على المدّعين العامّين ولا يمكنه إيقافهم عن عملهم، بل فقط تحويلهم إلى التفتيش القضائي وإعطاء توجيهات وتعليمات، وإلّا يكُن بذلك يخالف مرسوم التشكيلات القضائية الذي عيّن عون في هذا المركز القضائي”.

وتتساءل الأوساط: “هل القاضية عون هي الوحيدة بين القضاة في النيابات العامّة التي تخالف القوانين، وبينهم من ارتكب مخالفات شنيعة؟”.

لا تفسير لذلك، برأي الأوساط، “سوى أنّها مسّت بملفّات ماليّة حسّاسة جداً”. لكن من اتّخذ القرار هو القاضي جمال الحجّار المعروف بسيرته القضائية المُنزّهة عن كلّ شبهة سياسية؟ تجيب الأوساط: “هذا صحيح. لكن هل أخطاء غادة عون تستدعي هذا الإجراء القاسي بحقّها؟ هناك قطبة مخفيّة غير مفهومة في هذه القضية؟”