بعد إنقاذها من انفجار بيروت... ظهرت في متحف بـ"لوس أنجلوس"

بعد ثلاث سنوات من أعمال الترميم الدقيقة، يكشف متحف "جي. بول غيتي" في لوس أنجلوس عن لوحة "هرقل وأومفال"، وهي إحدى أعمال الرسامة البارزة أرتميسيا جنتيليشّي (1593–1652) التي كانت مفقودة منذ زمن طويل، وكادت أن تُدمّر بالكامل في انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020 الذي هزّ بيروت. من بين المواقع التراثية المتضررة كان قصر سرسق العريق البالغ من العمر 160 عاماً، حيث انهار جزء من السقف، ما عرّض اللوحة وأعمالاً تاريخية أخرى للخطر.

خلال أكثر من ثلاثين عاماً من عمله في ترميم اللوحات، لم يشهد كبير المرمّمين في المتحف أولريش بيركماير ضرراً بهذا الحجم؛ "كان واحداً من أصعب المشاريع، لكن أكثرها التي شعرت فيها بالرضا"، يقول، "كان الأمر أشبه بتجميع لغز ضخم… شيئاً فشيئاً بدأت اللوحة تستعيد حياتها".

بعد الكارثة التي ألمّت ببيروت والمشهد الثقافي، كتب المؤرّخ الفني اللبناني غريغوري بوشاكجيان - الذي تناول في أطروحته للماجستير لوحتين من مجموعة سرسق كان يعتقد أنهما من أعمال جنتيليشّي غير المعروفة - في مجلة "Apollo" عن الأثر الثقافي الكارثي للانفجار، الأمر الذي لفت انتباه المجتمع الفني العالمي. وقد توصّل المؤرّخون إلى إجماع يؤكّد أنّ لوحة "هرقل وأومفال" هي عمل أصلي بتوقيع الفنانة نفسها، وهي تقترب في حجمها من لوحة أخرى لأرتميسيا عن هرقل كانت مدرجة ضمن جرد العام 1699 لمجموعة ألونسو دي كارديناس في نابولي، وتُظهر عناصر بصرية مألوفة في أعمالها، لاسيما في رسم أقراط اللؤلؤ التي تزيّن أذن أومفال.

في السياق، نقل موقع "آرت نت" المتخصّص عن دافيدي غاسباروتو، كبير أمناء قسم اللوحات في المتحف، قوله: "نعتقد أنّ اللوحة رُسمت في ثلاثينيات القرن السابع عشر في نابولي، حيث انتقلت أرتميسيا للعيش منذ عام 1630 وحتى وفاتها". ويضيف: "هذا الجزء الأخير من مسيرتها غالباً ما يُهمل، ويُعتبر حقبة انحدار، لكن في الواقع، تميّزت أرتميسيا آنذاك ببراعة تجارية لافتة، إذ تبنّت أسلوب علامة فنية ناجحة، وورشة عمل مبتكرة، ما سمح لها بتوسيع نطاق إنتاجها من حيث الحجم والطموح والمواضيع".

بدأ العمل على ترميم لوحة "هرقل وأومفال" في عام 2022. كانت مثقوبة وممزقة بشدّة نتيجة تناثر الزجاج والجبس والحطام. عمل بيركماير مع المرمّم الإيطالي ماتيو روسي دوريا على تثبيت اللوحة عبر إعادة تبطين القماش وتعزيزه بإطار خشبي مرن. كما أزالا الرواسب الفيزيائية للانفجار، ونظّفا سطح اللوحة برفق لإزالة طبقات الورنيش المتراكمة، مما أتاح للألوان الأصلية أن تشرق من جديد، وأعادا بناء المناطق المتضررة عبر ترميم دقيق.

"ساعدَنا تحليل الأشعة السينية ليس فقط في كشف التعديلات التي أجرتها أرتميسيا أثناء الرسم، بل أيضاً في إعادة بناء تفاصيل ضاعت في الانفجار، حيث تحطّمت أجزاء عدة من اللوحة"، يروي بيركماير.

ستكون هذه اللوحة محور معرض جديد بعنوان "نساء أرتميسيا القويات: إنقاذ تحفة فنية"، يُفتتح الشهر المقبل في مركز "غيتي"، ويشمل أعمالاً أخرى للفنانة الباروكية الرائدة، تتمحور حول "النساء القويات" اللواتي عُرفت برسْمِهِن. وسينتقل المعرض لاحقاً إلى متحف كولومبوس للفنون، الذي أعار بدوره لوحة بتشابع وداود للمعرض، بالإضافة إلى بورتريه ذاتي في هيئة شهيدة.

وتُصوّر لوحة هرقل وأومفالا مشهداً أسطورياً تتبدّل فيه أدوار القوة التقليدية بين الجنسين؛ إذ تظهر أومفالا، ملكة ليديا، في موقع الهيمنة مرتدية جلد الأسد الذي قتله هرقل، بينما يقف الأخير في وضع خضوع وهو يمسك بمغزل الصوف. ويُعتبر هذا العمل تأمّلاً في مفاهيم الانعكاس الجندري، والجاذبية، والقوة. إلا أنّ اللوحة تلتقط لحظة الحب بين الشخصيتين، كما يظهر من خلال حضور كيوبيد، الذي يبتسم بمكر.

وقال تيموثي بوتس، مدير متحف غيتي: "نحن ممتنون لقصر سرسق على ثقتهم بنا لإعادة هذه التحفة إلى مجدها، وعرضها في قاعات المتحف قبل أن تعود إلى وطنها"، واصفاً إعادة اكتشافها بأنها "لحظة مفصلية لعالم التأريخ الفني بأسره".

ويخضع قصر سرسق حالياً لترميم شامل ضمن مبادرة "لبيروت"، التي أطلقتها اليونسكو عام 2021 لإنقاذ التراث الثقافي للمدينة. وبعد انتهاء جولته في كولومبوس، ستُعرض لوحة "هرقل وأومفال" لفترة طويلة في متحف غيتي، قبل أن تعود إلى بيروت.