بعد الصمت العمراني الطويل... هل يعود الضجيج؟

قبل عملية «طوفان الأقصى» في غزة وجبهة الإسناد من لبنان ثم الحرب الواسعة، كان بعض التحسن قد بدأ يسجل في قطاع اقتصادي حيوي هو قطاع المقاولات والبناء والتطور العقاري في لبنان بعد جمود وتراجع بلغا خمس سنوات، وتحديدا منذ عام 2019 وما اصطلح على تسميته حينها بثورة أكتوبر. جمود وتراجع حتمتهما في القطاع العام الموازنات التشغيلية أو موازنات الصيانة بالحد الأدنى بدلا من الاستثمار في البنى التحتية، فيما مرده في القطاع الخاص إلى أزمة المصارف وتوقف صناديق الإسكان والقروض المصرفية.

وما عدا حركة البناء الخجولة لمنازل فردية في الأرياف والقرى، كان صمت عمراني طويل في المدن وغياب لضجيج الورش قبل أن يلوح بعض الأمل في الفترة التي سبقت 8 أكتوبر 2023 (إعلان جبهة الإسناد لغزة)، ليندثر بعد ذلك وتقع الواقعة على هذا القطاع وسواه من القطاعات.

ويقول نقيب المقاولين في لبنان المهندس مارون الحلو في حديث إلى «الأنباء» إن «قطاع المقاولات هو في مرحلة صعبة جدا حتى هذه اللحظة». وأشار إلى أنه «بسبب هذا الوضع عملت النقابة على إنهاء العقود مع الوزارات ومجلس الإنماء والإعمار وسائر الهيئات باستثناء المشاريع التي كانت ممولة من مصارف خارجية مثل البنك الدولي والصندوق العربي والبنك الإسلامي، أو التي كانت تقوم على قروض ميسرة أو هبات». وهذا الواقع حتم، بحسب النقيب الحلو، «انتقال أكبر شركات المقاولات إلى الخليج العربي وافريقيا لرفد فروعها الأساسية في لبنان بالاستمرارية التي تحتاجها في ظل غياب النشاط في الداخل اللبناني».

وإذا كان واقع المقاولين على هذا النحو منذ عام 2019، فإن السؤال المطروح اليوم يتعلق بالمرتجى بعد بدء عهد رئاسي جديد يعول عليه الكثيرون في رحلة التعافي والنهوض المنشودة. ووفق نقيب المقاولين، فإن «الدولة اللبنانية تفتقر اليوم للإمكانات المادية للقيام بأي نشاط، وحتى مبلغ الـ40 مليون دولار الذي خصص لرفع ردميات الحرب هو غير كاف، فضلا عن أن التلزيم لم يتم لوزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار وإنما لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت والهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب».

وأضاف: «إذا لم تأت المساعدات، لاسيما من البنك الدولي والخليج العربي، فإن الجمود في القطاع العام سيظل سائدا، وفتح باب المساعدات يتوقف على الإصلاح في المؤسسات اللبنانية والاستقرار والوفاق والتضامن الحكومي والثقة، وحين يأتي المال يتحرك كل شيء. أما على صعيد القطاع الخاص، فالمطلوب حل أزمة المودعين لتعاود المصارف عملها الطبيعي لناحية إعطاء تسليفات وتسهيلات وكفالات، فتتوافر حينها الإمكانات المادية للمقاولين والمطورين العقاريين كي ينطلق القطاع الخاص». وعن الوقت الذي يحتاجه هذا القطاع ليعود من ركوده الطويل، قال إن «فترة تتراوح بين ستة أشهر وسنة على أقل تقدير هي ضرورية ليبدأ القطاع بالتقاط أنفاسه».

وإذا كان ثمة رأي قائل إن أي انهيار اقتصادي نتيجة الحرب لابد أن يعقبه صعود ونمو سريعان كما حصل في أعقاب حرب يوليو 2006، فإن نقيب المقاولين يخالف هذا الرأي ليقينه «أن ظروف حرب 2006 كانت مختلفة عن اليوم لأن وضع لبنان في ذلك الحين كان جيدا والمصارف في الداخل والخارج كانت تقوم بدورها، لذا حين انتهت الحرب، عاد الناس إلى أعمالهم لتوافر المال، بينما نجد اليوم أن المصارف تحتجز أموال المودعين».

الأكيد أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وورشة إعادة البناء لبنان تبدأ بأسس ومداميك يختصرها النقيب مارون الحلو بالقول: «المطلوب بداية إزالة الركام، فإعمار ما تهدم، فتجديد كامل للبنى التحتية المترهلة، والعملية ستقوم على مساعدات مشروطة بمشاريع وبرامج محددة ورقابة حثيثة على أدنى إنفاق».