المصدر: النهار
الخميس 1 آب 2024 18:19:27
كتب عامر شيباني في النهار:
"أراها أنها أحلى شي بهذه الحياة، وأحلى إنسان، وأجمل أخت لأخيها الذي أصبح عمره سنتين ونصف السنة... اشتقنا لها كثيراً ونشتاق لها كل يوم وجزء من حياتنا مات في 7 آب حين رحلت عن هذه الحياة، نصف حياتنا راح وهي ملأت النصف الثاني، وهي دائماً معنا في كل ثانية". بهذه الكلمات استذكر المهندس اللبناني بول نجار ابنته إلكسندرا التي قضت في انفجار مرفأ بيروت في العام 2020.
وبعد أن جدد وعده لإبنته بأن تبقى أعجوبة هذا البلد والتعهد بالنضال لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة لكل لبنان في قضية انفجار المرفأ، شرح نجار لـ"النهار" لماذا اختار القضاء البريطاني "بالتوازي مع سير التحقيق في القضاء اللبناني".
وقال: "منذ الانفجار كنا نعلم أن المسار في القضاء اللبناني صعب وطويل، وللأسف تاريخيا شهدنا حوادث مماثلة ولا يستطيع القضاءأن يقوم بعمله كما حصل في العام 2005 (اسنشهاد الرئيس رفيق الحريري) وحتى قبل بكل الجرائم التي حدثت، ولكن أملنا كبير جدا بالقضاء اللبناني لأنه هذا بلدنا وهذا قضاؤنا وهنا حدثت الجريمة وهنا قتلت ابنتي ودمرت حياتنا وسنبقى نناضل للقضاء اللبناني".
ومنذ وقوع جريمة المرفأ وحتى الآن لم يصدر القضاء اللبناني أي قرار يحمّل الفاعلين أو المحرضين المسؤولية، ولم تكشف الحقيقة... لذلك لجأ بعض المتضررين من التفجير إلى القضاء الخارجي لأن بعض الضحايا أو الجرحى يحملون جنسيات غير لبنانية، بالإضافة طالبت منظمات دولية وحقوقيون بلجنة تقصي حقائق دولية لمعرفة الحقيقة وعرضها أمام الأمم المتحدة.
وسائل استراتيجية
أضاف نجار: "لا نريد أن يكون القضاء اللبناني الطريق الوحيد بل سنذهب إلى أي قضاء للوصول إلى العدالة والحقيقة ولجأنا إلى القضاء البريطاني وهو احدى الوسائل والاستراتيجية التي اتبعناها من خلال ملاحقة الشركات التي كانت معنية بالتفجير وهي شركة سافارو المالكة لنيترات الأمونيوم وكانت استراتيجيتنا ملاحقة بقية المالكين ومن وراء هؤلاء الأشخاص".
وفي 12 حزيران (يونيو) 2023 أقرت محكمة العدل العليا البريطانية تعويضاً قدره 100 ألف جنيه استرليني (تقريباً 125 ألف دولار) لثلاثة مدّعين من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (بينهم بول نجار) ضدّ شركة سافارو، ومبلغ قدره 500 ألف جنيه (تقريباً 628 ألف دولار) لجريحة من الانفجار تعويضاً عن الضرر الجسدي والمعنوي وتغطية نفقاتها الطبيّة.
وأشار نجار إلى أن "دولة القانون ماتت في لبنان حين فتح النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات فتح أبواب السجون للمتهمين من قبل قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار وما حصل لم يحدث في تاريخ لبنان وهذا الأمر مؤذٍ وشعرنا بخيبة أمل بالقضاء اللبناني ولكن سنبقى نناضل ونريد أن نكمل المشوار".
وشدد على أن لديه "ثقة كبيرة بالقاضي البيطار لأنه لم يرتكب أي خطأ، وإجراءاته قانونية ويواجه الضغوطات السياسية من قبل مجرمين في السلطة المافياوية الحاكمة التي أزعجتها قراراته"، لافتاً إلى أن "ما أقدم عليه القاضي بيطار في بداية التحقيق هو عمل تقني وصحيح".
نوعان للدعاوى الخارجية
أما المحامي البروفيسور نصري أنطوان دياب فشرح لـ"النهار"أن هناك نوعين للدعاوى الخارجية، إما جزائية أمام محاكم جنائية دولية دائمة، كالمحكمة الدولية الجنائية، أو مدنية أمام محاكم وطنية محددة تربطها بالملف صلة معينة (كالجنسية أو مكان حصول الحادث) للمطالبة بتعويضات كما حصل في الدعوى التي قدمت أمام القضاء البريطاني.
البروفيسور دياب الذي شارك في ملف انفجار رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في العام 2005، أكد أن هناك صعوبة في الوصول إلى محاكم جنائية دولية دائمة لعدم وجود توافق دولي في هذا الأمر لذلك لجأنا إلى محاكم أجنبية خصوصاً أن بعض الضحايا أو الجرحى لديهم جنسيات أجنبية غير لبنانية.
وقال: "خلال دراسة ملف انفجار المرفأ وجدنا أن بعض الشركات التي كانت معنية بدخول مادة الأمونيوم إلى لبنان تحمل الجنسية الأجنبية ومركزها خارج لبنان، بينها شركة سافارو البريطانية ومركزها في لندن ومسجلة في السجل التجاري البريطاني، وهذه أسباب متينة لإقامة دعوى أمام القضاء البريطاني".
أضاف: " خلال دراسة ملف شركة سافارو وجدنا أنها تحاول تصفية أعمالها لتخفي آثار وجودها فطلبنا من القضاء البريطاني تعليق هذا العمل إلى حين التقدم بدعوى، وهذا ما حصل وقدمنا دعوى مدنية لعدم توفر اثبات على ضلوعها أو عملها الجرمي، وبعد مسار استمر أشهراً صدر قرار بدفع تعويض لأربع متضررين تقدموا بالدعوى التي كان هدفها اثبات مسؤولية الشركة بانفجار الأمونيوم".
وأوضح أن شركة سافارو دافعت عن نفسها عبر وكلائها الذين حضروا خلال الدعوى وتقدموا بمستندات ولوائح وصدر حكم وجاهي وليس غيابياً وهو حكم نهائي وأصبح نافذاً لأن الشركة لم تطعن به خلال المهلة القانونية، لذلك أصبحنا في المرحلة الثانية في الدعوى وهي إمكانية تنفيذ الحكم بطريقة جبرية، مذكراً بأن الهدف من هذه الدعوى ليس الشركة فقط بل من يقف وراءها، خصوصاً أن لديها مساهمين ظاهريين وحقيقيين.
وتشكل الدعاوى القضائية المرفوعة خارج لبنان، في الدول التي سقط ضحايا من مواطنيها بالانفجار، بصيص أمل إضافي للباحثين عن العدالة وأهالي الضحايا في لبنان.
اقتراح قانوني
نقيب المحامين السابق وعضو مجلس النقابة الحالي ناضر كسبار الذي تابع الدعاوى الخارجية كونه نقيباً أوضح لـ"النهار" أن الوزير السابق المحامي كميل أبو سليمان سهّل رفع الدعوى في بريطانيا.
واستهجن طريقة سير ملف انفجار مرفأ، وقال: "كنت أفضل استراتيجة أخرى مغايرة لاستراتيجية المحقق العدلي القاضي طارق بيطار وهمي الوحيد صدور قرار"، وأضاف: "بعد يومين من اصابتي بالإنفجار حذرت من التركيز على المهمل ونسيان الفاعل وبرأيي أن ملف انفجار المرفأ يحتاج إلى 200 سنة ولن ينتهي، خصوصاً أن هناك طلبات نقل ومخاصمة قضاة لرفع يد القاضي بيطار وتأخير سير الملف والقانون يجيز هذا العمل ولكن يعرقل التحقيق".
وتابع: "كنت أفضل أن يصدر القاضي بيطار ورقة استحضار للأشخاص وفي حال لم يأتوا يصدر قرارا اتهامياً يظن بالذين تخلفوا عن الحضور بدل أن يصدر مذكرات توقيف وحينها يتم ماكمتهم أمام المجلس العدلي"، مشدداً على أنه يثق بالقضاء اللبناني ولكن وفق استراتيجية مغايرة لاستراتيجية القاضي بيطار.
واقترح وسيلة تجمع بين أهالي الضحايا وبين الأشخاص التي صدرت بحقهم مذكرات توقيف، مفادها تعديل القانون لإنشاء هيئة اتهامية هدفها التقاضي على مرحلتين، وفي حال تقدم أحد الأشخاص برد المحقق العدلي فحينها لا يكف يد القاضي عن العمل بل يستمر في التحقيق لحين البت بالطلب، وكذلك الأمر في حال أصدر المحقق قراراً بتوقيف أحد الأشخاص يمكن استناف هذا القرار.