بعد انسحاب "توتال إنرجيز" لا دخول لشركات أخرى.. وفياض يهمس إلى نظيره القطري

لم يحمل تمنّع شركة "توتال انرجيز" الفرنسية عن توقيع عقدي اكتشاف واستخراج الغاز والنفط من البلوكين 8 و 10 في 16 شباط الحالي أي مفاجأة، إذ إن المفاوضات التي كانت قائمة بين الجانب اللبناني والشركة بعد تقديمها طلب الاشتراك في دورة التراخيص الثانية للمزايدة على البلوكين المذكورين في 2 تشرين الاول 2023 ضمن الائتلاف الذي يضمّ الى جانبها كلاً من "إيني" الإيطالية و"قطر للطاقة" لم تكن سهلة منذ البداية ولم تسجّل أي تقدّم في أي مرحلة.

من المعلوم أنه في 16 كانون الثاني الفائت، وافق مجلس الوزراء على تلزيم البلوكين للكونسورتيوم ولكن مع تعديلات في الشروط المالية والتقنية والزمنية، حيث حاول رفع حصة لبنان المالية مع خفض المهلة الزمنية لعملية المسوحات الزلزالية وصولاً الى الحفر.

ووفق مصادر مطلعة، كان لافتاً الغموض الذي احتفظت به الشركة في بعض البنود وخصوصاً تلك المتعلقة بالالتزامات المترتبة عليها وكأنها كانت تريد النفاد من المشروع عبر هذه البوابة علماً بأنه يحفظ حقوقها كاملة بحسب أحد المطلعين على الملف.

وإزاء هذا الموقف المتردد لشركة "توتال إنرجيز" عُلم أن الجانب اللبناني بشخص وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض همس الى نظيره القطري وهو الرئيس التنفيذي لشركة "قطر للطاقة" سعد الكعبي بالتدخل لدى "توتال" من أجل الشروع في حفر بئر ثانٍ في البلوك رقم 9 والمساهمة في ضخّ الاستثمار المناسب مع المشغّل الفرنسي الذي بدأ يعتمد على الشروط التعجيزية، إلا أن هذا التمنّي لم يقابله أي موقف إيجابي من الجانب القطري الذي ارتأى مراجعة المشغّل وهو "توتال".

وإن كان من أسباب اعتراض شركة توتال على تقليص المهلة الزمنية مع تمسّكها بالاستمرار في عملها حتى عام 2027 بدلاً من منتصف عام 2026 كحد أقصى يطالب به الجانب اللبناني، بالإضافة الى ميلها لخفض حصّة الدولة اللبنانية، فإنه لا يمكن عزل موقفها الحالي عن الوضع السياسي المتأزم والضغوط الموجودة في المنطقة، ولا سيما أن بيانها المقتضب في 13 تشرين الأول الفائت الذي أعلنت فيه "إبلاغ وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول بانتهاء الحفر في البئر في البلوك رقم 9 بعدما وصلت إلى عمق 3900 متر تحت قاع البحر ولم تجد سوى الماء" لم يتبعه أي تقرير تفصيلي، فيما المنطقة دخلت في حرب غزة وما تبعها من تدهور أمني طال الجنوب اللبناني.

ولا يستبعد المراقبون أن تكون الشركة اختارت الوقوف على الحياد في موضوع النفط في لبنان في الوقت الراهن بسبب الوضع الأمني على الساحة اللبنانية المفتوح على كل الإحتمالات، الى جانب الشغور الرئاسي الطويل، وحصر القرار الرسمي بيد حكومة تصريف أعمال من جهة، ومجلس نيابي يتجاوز دوره كهيئة ناخبة متسلحّاً بمبدأ تشريع الضرورة لبعض الأمور من جهة أخرى، فيما السلطة تعيش حالة نكران للإصلاحات الضرورية ولانتظام عمل المؤسسات وخصوصاً القضاء ولتشجيع الاستثمارات ولمساعدة المودعين على استرداد أموالهم.

شركة "توتال إنرجيز" التي تحتفظ بمركز عالمي في مجال الاستكشاف والتنقيب لا تنوي عدم حصد أي إنجاز في أي عملية تلتزمها. وهي تدرك أن غيابها عن عملية البحث عن النفط في المياه اللبنانية لن يستحضر بالضرورة البديل للأسباب عينها التي تسلّحت بها بتحفّظها رغم رهان البعض على مجيء شركات أخرى. فهناك عقبات ستكون بالمرصاد بعد عملية الاستخراج إن تمّت بنجاح للدخول الى السوق، وهي مرتبطة بالوضع السياسي في لبنان وفي المحيط والمنطقة ككل المقبلة على تغييرات واسعة.

وعدم تقدّم أي من الشركات على دورة التراخيص الثانية رغم تمديد المهلة عدة مرات وإدخال بعض التعديلات على دفتر الشروط مثل حجز البلوكين لصالح الشركات التي تولّت التنقيب لثلاث سنوات دون إلزامها بالحفر أو التنقيب يصبّ في هذا الاتجاه.

ومن المعلوم أن دورة التراخيص الثانية قد فُتحت في عام 2019 أمام الشركات الراغبة بالاستثمار في البلوكات 10 و8 و5 و2 و1 على إثر تلزيم البلوكين 4 و9 في الدورة الأولى التي أطلقت في عام 2018.

وحتى تاريخه في عام 2024، لم يسجّل قطاع النفط في لبنان أي تقدم لافت باستثناء إقرار بعض المراسيم، علماً بأنه حتى خلال أعمال الحفر التي كانت قائمة منذ آب الفائت لغاية تشرين الأول في البلوك رقم 9 لم يُسمح للبنان بالاستفادة من أعمال توريد البضائع وتشغيل اليد العاملة فيه فتمت الاستعانة بمرفأ ليماسول.

وابتعاد شركة توتال عن هذه المرحلة من عملية الاستكشاف والحفر إن لم يمدّد مجلس الوزراء مهلة التوقيع التي حدّدها بناءً على اقتراح من وزارة الطاقة، سيحتّم معاودة إدراج البلوكين 8 و10 ضمن دورة التراخيص الثالثة، التي هناك تساؤلات كبرى حول تحديد موعدها النهائي، رغم الحماسة المفرطة لبعض المسؤولين لدخول لبنان الى نادي الدول النفطية والإسراع في إقرار قانون الصندوق السيادي اللبناني.

ولكن السؤال يبقى: إذا وقفت "توتال إنرجيز" جانباً فمن سيدخل الى المياه اللبنانية العميقة ولا سيما أن أعمال الحفر التي تراوح كلفتها بين 80 و100 مليون دولار والتنقيب فيها يتطلّب شركات كبيرة عالمية مجهزّة بالمعدات اللازمة ومزوّدة بخبرات وافية في طاقمها البشري؟

وهنا لا يمكن إغفال أهمية تمتّع الشركة الراغبة بالعمل في لبنان بمعرفة واسعة بطبيعة الجيولوجيا في المنطقة مثل شركة "إنرجين" اليونانية التي تعمل في إنتاج الغاز من حقل كاريش البحري الذي بدوره يتولّى إمداد إسرائيل بالغاز المناسب لتوليد الكهرباء بنحو 50% من حاجتها الفعلية.

يبقى الانتظار سيّد الموقف في هذه المرحلة التي سترسم مصير أكثر من قضيّة.