بعد تجميد بناء الأهراء: "خبز اللبنانيين كلّ يوم بيومه"

يبدو أن سياسة العيش "كل يوم بيومه" ترسّخت كمنهج عمل مستدام في الدولة اللبنانية. وليس أدلّ على ذلك من استمرار المعنيين بالتكيّف مع عدم وجود أهراء قمح في البلاد، بعدما أطاحها انفجار المرفأ المشؤوم، وتحوّل التخزين إلى مخازن المطاحن الكبرى مؤقّتاً، ليصير عمر هذا "المؤقّت" 4 أعوام تقريباً.

قبل تدمير أهراء بيروت، كان المخزون الاستراتيجي من القمح متوافراً فيها بصورة دائمة لمدة لا تقل عن 6 أشهر. ولكن حالياً، بعد خروج الأهراء من الخدمة، باتت لقمة الخبز لأربعة ملايين لبناني ومعهم مليونا نازح سوري غير مؤمّنة لأكثر من شهر ونصف الشهر، ورهينة أيّ حدث أمني مفاجئ، أو تطوّرات عسكرية في الإقليم تغلق البحر أمام بواخر القمح، أو تعوق الاستيراد.

يأكل اللبنانيون اليوم خبزهم "كفاف" يومهم، ولا ضمانة لهم عن لقمة غدهم، فيما المسؤولون عن تأمين احتياط قمحهم يطحنون لهم الوعود التي لم تثمر بعد 4 أعوام حلاً جذرياً لملفّ تتقدّم أولويّته الاستراتيجية والاجتماعية على الملفات الأخرى. توازياً، يناقش مجلس الوزراء في جلسته المقبلة تصدير كمّيات القمح المنتجة محلياً الباقية من العام الماضي، فيما يدور همس في الكواليس أن الهدف إدخال "فريش" دولار خصوصاً بعدما ارتفعت أسعار القمح عالمياً.

مصادر وزارة الزراعة أكدت لـ"النهار" أن 4 قرارات متتالية اتخذت في مجلس الوزراء تتعلق بفائض القمح القاسي الذي يُستعمل للمعكرونة، على أن يصدر نسبة معيّنة منه، وتبعاً لذلك أجرت قوى الأمن الداخلي إحصاءً دقيقاً بعد تواصلها مع مزارعي القمح، إذ تبيّن وجود كمّيات تناهز 15 ألف طن فائضة عن حاجة السوق المحلية.

وعلى الرغم من القرار الذي اتُّخذ في مجلس الوزراء بتصدير 10 آلاف طن، لم يصدَّر أي كيلو حتى اللحظة بسبب عوائق عدة لم تشأ المصادر الحديث عنها قبل جلسة مجلس الوزراء المقبلة التي سيكون على جدول أعمالها موضوع تصدير كميات القمح الباقية من العام الماضي.

وفيما أوضحت المصادر أن موضوع إعادة بناء أهراء المرفأ مُناط بوزارتي الاقتصاد والنقل، كشفت أن لدى وزارة الزراعة خطة لبناء أهراء مخصصة للقمح الطري الذي ينتج في لبنان، وهي تعتمد على التجربة الأردنية (أهراء أفقية).

رئيس تجمّع المطاحن في لبنان أحمد حطيط أوضح لـ"النهار" أن إنتاج القمح الوطني لا يزال لدى المزارعين، إذ لم يتقدّم أحد منهم بطلبات إلى وزارة الاقتصاد لتسلّم الإنتاج، علماً بأن عدداً من المزارعين باعوا كميات بين 5 آلاف و10 آلاف طن من إنتاجهم. ويقول: "مع ارتفاع أسعار القمح عالمياً، طالب المزارعون بتصدير المخزون الباقي لديهم والمقدَّر بين 15 و20 ألف طن، فيما كميات القمح الموجودة في أهراء المطاحن تكفي لفترة ما بين شهر أو شهرين على الأكثر. ومن المفترض إجراء مناقصة الأسبوع المقبل لاستيراد قمح من الرصيد الباقي من هبة البنك الدولي والبالغ نحو 17 مليون دولار بما يكفي تقريباً لشهر أيلول المقبل، و"من بعدها يصبح القمح غير مدعوم"، وفق حطيط.

 

 

 

يراوح الإنتاج المحلي من القمح عموماً (خبز عربي وحلويات) بين 30 ألف طن و40 ألف طن حسب المواسم، فيما يستورد لبنان حالياً نحو 350 ألف طن سنوياً مخصّص للخبز العربي يُخزّن في أهراء المطاحن التي لا يمكنها تخزين القمح لأكثر من شهرين ونصف الشهر، وفق حطيط الذي يشدّد على ضرورة "بناء أهراء جديدة انطلاقاً من كونها صمام أمان للتخزين الاستراتيجي أقلّه ستة أشهر، خصوصاً أن لبنان موجود في منطقة غير مستقرة أمنياً وسياسياً". وفيما يكثر الحديث عن إمكانية بناء أهراء خارج منطقة بيروت، أوضح حطيط أن "بناء الأهراء في المناطق أمر جيد للبلاد مبدئياً، ولكن لوجستياً واستراتيجياً الأفضل وجود الأهراء في مرفأ بيروت لسهولة نقله إلى المطاحن والتخفيف من كلفة النقل".

 

مصير الهبة الكويتية لبناء أهراء المرفأ؟

في تصريح سابق، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام أن "الكويت ستعيد إنشاء أهراء جديدة بأحدث المواصفات الهندسية والتقنية، حيث خُصّص 22 ألف متر مربع في موقع قريب من الأهراء المدمّرة، بتمويل ما بين 30 و40 مليون دولار". ولكن يبدو أن الأمور عادت إلى النقطة الصفر أو أقلّه وضعت في ثلاجة الانتظار، إذ نقل حطيط عن وزير الاقتصاد قوله لا تطور جديداً في موضوع التمويل الكويتي لبناء الأهراء، وكذلك أكّد مدير الأهراء في مرفأ بيروت أسعد حداد لـ"النهار" أن لا كلام حالياً عن الهبة الكويتية لأمور عائدة للجانب الكويتي لا نملك أي معطيات عنها، فيما الدراسة التي أجريناها لتخزين 350 ألف طن من القمح في 3 مواقع في بيروت وطرابلس والبقاع، لم تترجم ميدانياً خصوصاً أنه بعد الأزمة لم تُصرف أي مبالغ على مشاريع استثمارية.