المصدر: النهار
الأربعاء 6 أيلول 2023 07:34:17
في أيار الماضي، توجهت وزارة الاتصالات الى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بغية الحصول على موافقتها على شراكة مع القطاع الخاص لتقديم خدمة التلفزيون على بروتوكول الانترنت IPTV، وهي خدمة يؤمنها المشغلون في مختلف دول العالم. وبما أن لهذه الخدمة موجبات قانونية غير نافذة في لبنان، لكون قانون الاتصالات رقم 431 الصادر عام 2002 الذي يؤسس لتحرير القطاع وتأمين المنافسة غير نافذ، جاء جواب الهيئة في 20 تموز بالرفض. اليوم تحاول الوزارة الالتفاف على هذا الجواب من خلال إعادة تسمية المشروع OTT (Over the top) بدلاً من IPTV ومراجعة مجلس شورى الدولة بدل هيئة التشريع والاستشارات، وكذلك من دون مخاطبة وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام وهما صاحبتا الصلاحية. فما هي خدمة OTT، وماذا في تفاصيل المشروع؟
أعدت وزارة الاتصالات أخيراً دراسة حول تقديم خدمات المحتوى OTT عبر هيئة "أوجيرو" بحجة أن هذه الخدمات ستؤمن إيرادات جديدة للوزارة، وخاطبت مجلس شورى الدولة طالبة موافقته لتقديم هذه الخدمات، من دون الأخذ في الاعتبار تراجع خدمات وزارة الاتصالات وهيئة "أوجيرو" على كل الأصعدة إن كان حيال نوعية الإنترنت ورداءتها، أو أعمال الصيانة الدورية، أو تركيب خطوط جديدة وفترة الانتظار.
وفق خبراء في مجال الاتصالات فإن الـOTT عبارة عن خدمات ذات قيمة مضافة تُبثّ عبر شبكة الإنترنت، ويمكن أن تكون من خلال بث الرسائل والصوت والفيديو، وكذلك من خلال بث برامج التلفزيون والأفلام عند الطلب. الأمثلة لمقدمي هذه الخدمات كثيرة ومعظمنا يستخدمها كل يوم، وهيWhatsApp وViber وSkype وغيرها لخدمات الرسائل والصوت، Netflix وHBO وApple TV وAmazon Prime وغيرها لخدمات البرامج التلفزيونية والأفلام.
ولكن هل يمكن لوزارة الاتصالات و"أوجيرو" أن تنافسا هذه الشركات العالمية لتقديم هذه الخدمات؟ وفق الدراسة التي تقدمت بها وزارة الاتصالات الى مجلس شورى الدولة وحصلت عليها "النهار"، ورد في البند 5،3 من الدراسة الآتي: "إن تقديم خدمة OTT من خلال وزارة الاتصالات عبر "أوجيرو" يُعد نهجاً استراتيجياً لإضافة قيمة إلى الخدمات المقدمة والاحتفاظ بالعملاء، بدلاً من السماح لمقدمي خدمات OTT ببيع خدماتهم مباشرة للعملاء، كما يمكن الافادة من قاعدة المشتركين الحاليين ومن البنية التحتية لوزارة الاتصالات لتوفير تجربة OTT متكاملة... يتم إبرام اتفاقيات مشاركة الإيرادات مع موفري خدمات OTT بناءً على عدد المشتركين أو المحتوى المستهلك، بحيث تكون حصة وزارة الاتصالات عبر هيئة أوجيرو 25% بالاستناد الى Revenue Sharing Model.
وبحسب الدراسة، لن تقدم الوزارة الخدمة من قبلها مباشرة، على أن تتعاقد أوجيرو مع مقدمين لهذه الخدمات مقابل الحصول على نسبة 25% من الإيرادات كعمولة فقط أي commission دون وجود أي قيمة مضافة لدور وزارة الاتصالات أو هيئة أوجيرو. في المقابل، تخصص "أوجيرو" الشركة صاحبة المحتوى امتيازات احتكارية كبيرة وغير مسبوقة حيال وضع جميع مشتركي "أوجيرو" بتصرف الشركة حصراً دون غيرها من الشركات. وبذلك تنقل وزارة الاتصالات الاحتكار الذي تمارسه الى شركة خاصة لتأمين هذه الخدمات، وتالياً تسلك سوق الاتصالات في لبنان مساراً مناقضاً لدول العالم، إذ بدل تحرير القطاع وخلق منافسة حقيقية، تعمل الوزارة على نقل الاحتكار من القطاع العام الى القطاع الخاص بطريقة ملتوية ومخالفة لأبسط القواعد القانونية النافذة.
يتبيّن من الدراسة أن كل ما يهم وزارة الاتصالات هو التعاقد مع شركة خاصة لتقديم خدمات البرامج التلفزيونية والأفلام وذلك من خلال التعاقد مع شركة محلية تقدّم هذا النوع من الخدمات، إلا أن المشكلة الكبيرة في لبنان هي سوق الاتصالات اللبنانية غير المحررة وغير الخاضعة للمنافسة فيما وزارة الاتصالات هي المقدم الأساسي لخدمة الإنترنت في سوق لا تخضع للتنظيم والرقابة لأن دور الهيئة المنظمة للاتصالات معطل بالكامل. في هذه الحالة تتحول الشراكة بين وزارة الاتصالات وأي شركة خاصة لتقديم خدمات OTT من شراكة منصفة بين طرفين إلى استغلال واضح وصريح لمقومات الوزارة ومشتركيها من الشركة صاحبة المحتوى، ودخول هذه الشركة من الباب الواسع الى عدد كبير من المشتركين دون وجود أي حماية لهم ودون وجود أي خيار لهم. بمعنى آخر ستقدم وزارة الاتصالات مشتركيها على طبق من فضة للشركة الخاصة دون حد أدنى من المنافسة والتنظيم وحماية المشتركين.
قد نجد هذا النوع من الشراكة بين بعض المشغلين في دول العالم الثالث، إلا أنها تأتي حتماً على حساب المشترك وعلى حساب المصلحة العامة وعلى حساب خزينة الدولة في حال ملكيتها لشبكة الإنترنت، لأن الشركة الخاصة سوف تحصل على الحصة الأكبر من الإيرادات إضافة الى امتيازات خاصة احتكارية، فيما لن يبقى سوى الفتات لمالك الشبكة، في غياب الحوكمة الرشيدة المتمثلة بالحضور الفاعل لجميع اللاعبين وفي مقدمهم الهيئة الناظمة للاتصالات التي تحمي بإجراءاتها المستهلك (المستخدم النهائي) وتؤمن تحرير السوق والمنافسة.
أمام هذا الواقع، تحضّ مصادر متابعة على ضرورة إطلاع مجلس شورى الدولة على المعطيات كافة، قبل الموافقة على تقديم خدمات تستغل المستهلك ولا تعود بالمنفعة العامة، وتستغل موارد الدولة لمصالح شركات خاصة بعيداً عن القواعد القانونية والتنظيمية التي تحمي المستهلك وتحفظ حقوق الدولة.
وتحذر المصادر من محاولة تمرير هذه المفاهيم لدى مجلس شورى الدولة في أسرع وقت خلال هذه الفترة من الخلل السياسي والميوعة الإدارية والتحلل الرقابي، بغية البدء ببيع هذه الخدمات التدميرية لشبكات الاتصالات الوطنية (الثابتة والخليوية) وتدمير مستقبل شركة المشغل الوطني "ليبان تيليكوم".