بعد سقوط الأسد: ترقُّبٌ وآمالٌ بازدهار اقتصادي في لبنان

تسارعت وتيرة الأحداث بين لبنان وسوريا ليشهدَ البَلَدان تغييرات كبيرة ستشمل نتائجها الواقع الاقتصادي إلى جانب الواقع السياسي. ومع أنّ الأمور لا تزال حالياً في طَور التبدّلات، يترقَّب أهل القطاعات الاقتصادية المتغيّرات بانتظار تحسُّن الأحوال وازدهار البلدَين، لاسيّما وأن الاستقرار في سوريا يدفع باتجاه تحسين حركة تصدير البضائع اللبنانية عبر سوريا نحو العراق والأردن ومنها نحو دول الخليج العربي.

وبانتظار المرحلة المقبلة، فإن الواقع الحالي يسجِّل صفر حركة تصدير واستيراد لبنانية تمرّ عبر سوريا. لكن التوقّعات تتراوح بين الترقُّب والآمال الإيجابية لمرحلة مزدهرة اقتصادياً في لبنان.

الواقع سلبي
في أيلول الماضي وافقت الحكومة السورية على "تخفيض رسم عبور الشاحنات من لبنان إلى العراق، وبالعكس، بمعدّل 50 بالمئة"، مع توقع أن تساعد هذه الخطوة في تحسين حركة التصدير اللبناني عبر سوريا. وكان من المفترض أن يجري الجانب السوري "تقييماً للجدوى الاقتصادية المحققة من القرار بعد 3 أشهر من تطبيقه". وبعد نحو أسبوعين من إعلان القرار، توسَّعَت رقعة الحرب الإسرائيلية على لبنان. وعلى بُعدِ أيام من إعلان وقف إطلاق النار في لبنان، سَقَطَ نظام بشّار الأسد في سوريا، وسقَطَت قرارات وزرائه وحكومته، وفُتِحَت كلّ الملفّات أمام المجهول.

وقبل سقوط النظام، أدّت عملية تقدُّم المعارضة السورية، إلى "إقفال السلطات اللبنانية معبر المصنع الحدودي مع سوريا الذي كان قد فُتِحَ مع إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، وبالتوازي، أقفلت السلطات الأردنية معبر جابر بعد سيطرة المعارضة السورية على الجانب السوري من المعبر، والمسمّى معبر نصيب، وبالتالي توقَّفَ الخط البرّي ولم يعد لبنان يصدِّر او يستورد عبر تلك المعابر"، وفق ما يؤكّده رئيس تجمع المزارعين والفلاحين، إبراهيم الترشيشي الذي يشير في حديث لـ"المدن" إلى أن المرحلة المقبلة في سوريا "لا تزال غامضة"، ومعها يبقى وضع التصدير والاستيراد البرّي في لبنان غامضاً.

وأمام هذا المعطى، فإن "المزارع اللبناني في حالة عدم اطمئنان". ويقول الترشيشي إن "أحداً لا يعرف كيف ستذهب الأمور، فعودة التصدير البرّي إلى طبيعته ينتظر استلام السلطات السورية الجديدة مهامها والسماح بحركة العبور الترانزيت، وهي خطوة تحتاج إلى المزيد من الوقت". وبانتظار المرحلة المقبلة، يحثّ الترشيشي المزارع اللبناني على "التمهيد للمرحلة المقبلة من خلال الاهتمام بأرضه ومنتجاته، إذ ليس باليد حيلة أخرى".

هذا الواقع السلبي، يزداد قساوة مع استمرار عمليات التهريب من سوريا إلى لبنان. وبحسب الترشيشي، فإن "حجم التهريب يفوق التصوّر وزاد بنحو 10 أضعاف ما كان عليه سابقاً، لاسيّما في ظل عدم وجود حواجز لمنع التهريب من الجانب السوري. كما أن فقدان الليرة السورية قيمتها، يشجّع التهريب إلى لبنان لأن البضائع السورية تباع هنا بالدولار وبأسعار مضاعفة بنحو 3 مرات مقارنة بأسعارها في سوريا. فالتاجر السوري في هذه الحالة، يصرِّف إنتاجه في لبنان، ويحصل على العملة الصعبة".

ازدهار لبناني
رغم المؤشرات السلبية التي يسجّلها الاقتصاد اللبناني الخارج من أزمة اقتصادية وحرب مدمِّرة، لا يجد رئيس لجنة التجارة في غرفة تجارة بيروت وجبل لبنان، القنصل جاك حكيّم، سوى التفاؤل وتعليق الآمال الإيجابية على المرحلة المقبلة. فبرأيه "في المنطقة تغييرات كبيرة. فهي تخرج من مرحلة حرب ستليها مرحلة ازدهار". وعلى المستوى اللبناني فإن "حركة التصدير والاستيراد حالياً تساوي صفراً، وبالتالي، مهما كانت نتائج المرحلة الجديدة، ستكون أفضل. مع ذلك، من المبكر اتخاذ أي قرار اقتصادي في الوقت الراهن".

وفي حديث لـ"المدن"، يبني حكيّم تفاؤله على أن "المؤسسات التجارية في سوريا ستفتح أبوابها بسرعة لتأمين حاجات السوريين. ومع استلام القيادة الجديدة للسلطة، ستكون هناك مرحلة أخرى في المنطقة تزدهر فيها السياحة والتجارة وتستقر فيها العملات وستفتح المعابر الحدودية وتصبح التجارة أسهل". ويأمل حكيّم ان يتم ضبط عمليات التهريب ودفع الرُشى، خصوصاً وأن الشاحنات المحمّلة بالبضائع، تضطر لدفع نحو نصف قيمة الحمولة كرُشىً للعبور".

وكما دعا الترشيشي المزارعين إلى التحضير للمرحلة المقبلة، يدعو حكيّم التجّار واليد العاملة اللبنانية للتحضير لتلك المرحلة "من خلال استثمار الأموال وعدم تركها جانباً". وكذلك امتدت دعوته لتشمل القطاع المصرفي، من خلال "بدء ترتيب أموره للتسليف". ويعوِّل حكيّم أيضاً على "المغتربين الذي ينتظرون أقرب فرصة للاستثمار في لبنان".

غرق لبنان وسوريا بمصير قاتم دفعَ الشعب في البلدين ثمنه على مدى عقود. وليس من السهل اليوم التسليم بطيّ تلك الصفحة سريعاً، ولهذا يبقى التفاؤل بالتغيير ملازماً لحالة الترقُّب، على أمل الوصول إلى تحسّن اقتصادي يعوِّض على الناس بعضاً ممّا فقدوه طيلة سنوات.