بعد صدور القرار الظني...إبن الشيخ الرفاعي: نعرف كيف نأخذ حقنا

لا يزال الشارع العكاري في شمالي لبنان، عاجزاً عن استيعاب هول الجريمة البشعة التي أودت بحياة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي والتي كادت تتسبّب بفتنة على المستوى الوطني، لولا السرعة الكبيرة في كشف كامل خيوط الجريمة ومرتكبيها على يد شعبة المعلومات، بالتنسيق مع مخابرات الجيش، وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية كافة.
 
وبعد قرابة الثمانية أشهر على مقتل الرفاعي الذي كان فُقد الإتصال به بتاريخ ٢٠ فبراير/ شباط٢٠٢٣، في مدينة طرابلس عاصمة الشمال، عادت هذه القضية إلى الواجهة بعد صدور القرار الظني، فماذا كشفت قاضية التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار؟ وكيف تفاعلت العائلة مع مضمون هذا القرار؟
 
الإعدام
 
أصدرت قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار قرارها الظني في جريمة خطف الشيخ أحمد شعيب الرفاعي وقتله عمدا، وهي الجرائم المنصوص عليها بالمواد 549 و569 و733 من قانون العقوبات والمادة 72 من قانون الأسلحة والذخائر.
والمدعى عليهم جميعهم لبنانيون، وهم: يحيى عبد الكريم الرفاعي، علي يحيى الرفاعي، يحيى محمد الرفاعي، عبد الكريم محمد الرفاعي، أحمد محمد الرفاعي، وقد أوقفوا وجاهيا ولا يزالوا، ومصطفى غازي ميقاتي، وكل من يظهره التحقيق.
وكشفت القاضية نصّار أن رئيس بلدية القرقف يحيى الرفاعي خطط مع نجله لقتل المجني عليه، لأنه كان ينافسه على رئاسة البلدية، وطلبت في القرار الظنّي، إنزال عقوبة الإعدام بحق كلّ من يحيى عبد الكريم الرفاعي، ونجله علي يحيى الرفاعي، وأبناء شقيقة الأول يحيى محمد الرفاعي، عبد الكريم محمد الرفاعي وأحمد محمد الرفاعي، بجرمي خطف المغدور وقتله عمداً وعن سابق تصوّر وتصميم، وإخفاء معالم الجريمة.
وأفادت وقائع القرار الظني، بأن عبد القادر الرفاعي شقيق الشيخ المغدور تقدّم في 21 فبراير/ شباط الماضي بادعاء أمام مخفر برقايل، أفاد فيه بأن شقيقه غادر منزله الكائن في بلدة القرقف العكارية باتجاه طرابلس بعد ظهر يوم 20 فبراير/ شباط (قبل يوم من الادعاء) ولم يعد وانقطع الاتصال به نهائياً.
بالاستناد إلى هذا الادعاء بدأت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي تحقيقاتها وجمع المعلومات والتحريات، وعثرت على سيارة المغدور وهي من نوع هوندا متوقفة في محلة راسمسقا قرب مستشفى هيكل، وبناء على تحقيقات مكثّفة تبيّن أن علي الرفاعي ابن رئيس بلدية القرقف الشيخ يحيى الرفاعي قد تجرّع حقد والده على منافسه لرئاسة البلدية الشيخ أحمد شعيب الرفاعي ودخل في دوامة خلافاتهما المزمنة والتي وصل بعضها إلى القضاء، وقد اتفق الوالد والابن على استدراج الشيخ أحمد لتنفيذ مشروعهما الإجرامي ضده فاشترى علي قبل شهرين من تنفيذ المهمة هاتفين خلويين وهو ما يُعرف بالخطين الأمنيين، وبعد مرور شهر على شراء الخطين، بدأ بالتواصل مع الشيخ أحمد وأوهمه أنه فتاة لديها مشاكل وخلافات وهي بحاجة للمساعدة وقد عمد علي إلى إخبار والده بالإيقاع بالشيخ المغدور فبارك له والده بهذه الخطوة.
 
ساعة الصفر!
 
وإمعاناً منه في تنفيذ المخطط بكلّ تفاصيله، استمرّ علي بالتواصل مع الشيخ أحمد تمهيداً لساعة الصفر، عبر إعطائه موعداً للقائه في طرابلس قرب الجامعة العربية، وتبيّن أنه قبل الموعد أقدم علي بمعاونة ابن عمته أحمد محمد الرفاعي على تجهيز حفرة بعمق حوالي 3 أمتار في مكب للنفايات في محلة "سدة البارد"، ويوم الجمعة في 17 فبراير/ شباط، اتفق علي مع أولاد عمته أحمد ويحيى وعبد الكريم وبحضور والده رئيس البلدية على تنفيذ العملية التي تقضي بخطف الشيخ أحمد وقتله ورمي جثته في الحفرة التي أعدت لذلك، وتبين أن علي أكد مع أولاد عمته على تنفيذ العملية وأبدوا كامل استعدادهم لإنجازها يوم الأحد 19 فبراير/ شباط.
وعندما حانت ساعة الصفر، وفي 19 من الشهر نفسه، ارتدى جميع المدعى عليهم ملابس عسكرية مرقطة وباشروا بمخططهم الإجرامي، وتبيّن أن الشيخ المغدور حضر بسيارته إلى الموعد المحدّد فنفذت المجموعة عملية خطفه بعد قطع الطريق عليه وإنزاله من سيارته وضربه على رأسه بالبنادق الحربية وتم وضعه في صندوق سيارة "كيا" سوداء كان يقودها الشيخ يحيى، وقد أقدم علي (نجل رئيس البلدية) في منطقة المعرض على قتل الشيخ عبر إطلاق النار عليه من مسدس حربي مرتين واحدة في صدره وأخرى في رأسه داخل صندوق السيارة ثم قاموا بدفن الجثة في الحفرة التي في مكب النفايات.
وأمام هذه الوقائع المستقاة من اعترافات المدعى عليهم جميعاً وتطابقها، اعتبرت القاضية نصار أنّ أفعال المدعى عليهم: يحيى عبد الكريم الرفاعي، علي يحيى الرفاعي، يحيى محمد الرفاعي، عبد الكريم محمد الرفاعي وأحمد محمد الرفاعي من نوع جنايتي المادتين 549 و 569 من قانون العقوبات والظن بهم بجنحة المادة 72 من قانون الأسلحة، وإيجاب محاكمتهم أمام محكمة الجنايات في الشمال وإتباع الجنحة بالجنايتين للتلازم، كما قررت منع المحاكمة عن مصطفى غازي ميقاتي في جنايتي المادتين 549 و569 من قانون العقوبات وجنحة المادة 72/ أسلحة لعدم كفاية الدليل.
 
كيف تفاعلت العائلة؟
 
في اتصال مع "جسور"، شكرت زوجة المغدور ميساء الرفاعي، القاضية نصّار وكل من سعى معها لكشف خيوط هذه الجريمة البشعة، مطالبة بكلمة مختصرة بإنزال أشد العقوبات بحق الفاعلين. وقالت ميساء: "هذا مسار طويل ومعقّد لكن لن نستكين قبل تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين الذي قتلوا زوجي بدم بارد."
وتوجّهت ميساء بعميق الشكر ووافر الامتنان "لكلّ من شاركهم في مصابهم في الدفن أو العزاء أو الدعاء، من أيّ مكان أتوا، وتحت أيّ صفة كانوا"، ولكلّ الهيئات الدينية التي لم توفّر وسيلة أو طاقة في سبيل الكشف عن ملابسات القضية".
بدوره قال ابنه الشاب غيث: "إذا كانت الدولة لا تريد أن تأخذ لنا حقنا بإعدام المجرم فنحن نعرف كيف نأخذ حقنا، نريد حقّنا فقط لا غير".
 
حكاية الخلاف
 
قصة الخلاف في بلدة القرقف العكارية، وتحديداً بين الشيخين يحيى الرفاعي وأحمد شعيب الرفاعي ليست وليدة الساعة.
بدأت القصة عام 2012، عندما تقدم عدد من أبناء القرية بشكاوى رسمية ضد الشيخ يحيى الذي يشغل منصب رئيس البلدية، متهمين إياه بهدر المال العام والإثراء غير المشروع وتحويل المشاريع العامة إلى استثمارات خاصة، فضلاً عن بيع ممتلكات في البلدة.
مع تصاعد الشكاوى والاعتراضات، تطورت الخلافات إلى اشتباكات وصدامات حيث أحرق مجهولون سيارة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي في يونيو/ حزيران 2019.
والشيخ الرفاعي، الذي ينتمي للمكوّن السني، وهو في العقد الرابع من عمره، كان إماماً وخطيباً لمسجد بلدة القرقف في عكار، شمال لبنان.