بعد فضيحة معمل المرتديلا في البقاع... هكذا تحرّكت وزارة الإقتصاد

لا شك ان القطاع الغذائي في لبنان لم يعد مجرد مساحة اقتصادية تعاني من الفوضى، بل تحوّل إلى مسرحٍ لجرائم غذائية تهدد صحة الناس بشكل مباشر. قبل أيام فقط، كشفت حملة تفتيش رسمية عن فضيحة جديدة في البقاع: مسلخ في تربل كان يحوّل العظام والجلود إلى مسحوق يُباع سراً لبعض مصانع المرتديلّا في شتورا. ما ضُبط لم يكن مجرد مخالفة إدارية؛ بل عملية غش موصوفة تضرب في صميم الثقة بالأمن الغذائي، وتجعل المواطن اللبناني آخر من يعلم بما يُقدّم على موائد عائلته.


على المستوى الأمني، النيابة العامة الاستئنافية تحرّكت بسرعة، فتم توقيف ستة موظفين من العاملين في المسلخ، وفتح تحقيقات موسّعة. أما المواد المضبوطة (مسحوق عظام وجلود غير صالح للاستهلاك البشري) فهي وفق المعايير الدولية مخصّصة للأعلاف أو السماد الزراعي، لا أن تتحول إلى مكوّن في منتج لحمي يدخل كل بيت. ومع ذلك، وصلت هذه المواد إلى مصانع المرتديلّا في البقاع وكأن شيئاً لم يكن.

التاجر محمي!

ومن هذا المنطلق، فان هذه القضية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة إذا استمر التجاوز للقانون بلا رادع. ما جرى يفضح ثُغر الرقابة ويبيّن كيف يراهن بعض التجار على ضعف المتابعة ليحوّلوا القمامة إلى غذاء، والمخاطر الصحية إلى أرباح سريعة. رغم ان وزارة الاقتصاد لا تتوانى وفق قدراتها البشرية وحتى المادية عن ملاحقة المتجاوزين، الا انها ليست الوحيدة المسؤولة عن التجاوزات المتمادية من جانب الأطراف المعنية. لكن، الم يتساءل هؤلاء ان واحدا من أبنائهم قد يصاب بمرض خبيث كما أصيب أبناء الكثير من اللبنانيين؟ الم يعِ هؤلاء ان عقوبة السماء اشد وأقسى من عقوبة قوانين الارض؟ وهل ستتحرك الوزارات المعنية سريعاً لسدّ هذه الفجوات المتنقلة من منطقة الى اخرى؟ وهل سنشهد إعلاناً شفافاً يحدد أسماء المصانع المتورطة وسحب منتجاتها من السوق، أم أن القصة ستُدفن كما دُفنت قضايا مشابهة من قبل؟

العمل مشترك

استنادا الى ما تقدم، يوضح مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة، المهندس طارق يونس لـ"الديار" أنّ "الموضوع متشعّب في لبنان وتتحمّل مسؤوليته إدارات عديدة، وبالتالي لدينا هيئة سلامة الغذاء التي تُعنى بكل ما يتعلّق بسلامة الغذاء. هذه الهيئة شُكّلت، لكن للأسف لم يُعيَّن لها مجلس إدارة ولا حتى موظفون، مما يعني أنّ وجودها شكلي بالاسم فقط، ولا تقوم بالدور المناط بها والمتمثّل بالإشراف على سلامة الغذاء في لبنان وتوزيع المهام بين الوزارات المعنيّة. بالإضافة إلى ذلك، هناك وزارة الزراعة والصحة والسياحة، بخاصة في ما يتعلّق بقطاع المطاعم، إضافة إلى وزارة الاقتصاد عبر مديرية حماية المستهلك".

المراقبة وفق الإمكانات البشرية "محدودة"

ويضيف: "فعلياً، إنّ مديرية حماية المستهلك هي الأكثر حضوراً على الأرض من خلال مراقبيها، غير أنّ عددهم مع الأسف ليس كبيراً، وهؤلاء معنيّون بمهام كثيرة، وسلامة الغذاء واحدة منها. فنحن أيضاً مسؤولون عن المولدات ومحطات الوقود والأسعار والاحتكارات، إلى جانب مسألة المقاييس والموازين ومحال المصوغات. ومع ذلك، يبقى لقطاع سلامة الغذاء الحيّز الأساسي، لأنه يمسّ الأمن الغذائي للناس وسلامتهم وصحّتهم".

رغم الإنذارات المتكررة.. معمل البقاع تمادى!

وعن المعمل المذكور، يكشف يونس لـ "الديار" أنّ: "وزارة الاقتصاد أخذت منه أكثر من مرة عينات من اللانشون والمرتديلا، وتبيّن أن جميعها لم تكن مطابقة، وقد أُعطيت ملاحظات بضرورة الالتزام بها. وعندما استمر في عدم التطابق مع المواصفات، كانت هناك جولة إضافية — أو كما تسمّونها أنتم مداهمة — بينما نحن نعتبرها دورية، وهذه الدوريات العامة ننفّذها يومياً. وإحدى هذه الدوريات كانت برفقة جهاز أمن الدولة، وتمّ التواصل مع النيابة العامة، لأن هذا المعمل تمادى في المخالفة، فصدر بإشارة من القضاء المختص قرارٌ بإقفال المصنع الذي يقوم بتصنيع المرتديلا واللانشون".

ويشير إلى أنّه: "في الوقت نفسه، ومن خلال متابعتنا للتحقيقات، اتضح من أي مسلخ كان يجلب بضاعته. والمسالخ من ضمن مهام وزارات أخرى، مثل وزارة الصحة والمحافظة، وقد تابعت الإدارات المعنية هذا الملف، حيث تم إقفال المسلخ. وهذا في ما يتعلّق بالمعمل الموجود في منطقة البقاع".

ويؤكّد: "نقوم يومياً بعمل يشمل أماكن عديدة استناداً إلى الشكاوى التي تصل إلينا، فنحرّك فرقنا على هذا الأساس في أي قضية تتصل بسلامة الغذاء. وفي المقابل، نقوم بدوريات لأخذ عينات من المنتجات الجاهزة للبيع للمستهلك، أي من المنتج النهائي المعدّ للاستهلاك. ومن هنا، وبناءً على نتائج التحليل، تُتخذ الإجراءات المناسبة".

سلامة الغذاء أولوية "الاقتصاد"!

ويقول: "الأمر الأساسي الذي يجب أن نعرفه هو أنّ صلاحيات وزارة الاقتصاد، كوزارة ومراقبين على الأرض، تتمثّل في تنظيم محاضر ضبط تُرسل إلى القضاء، وهو الجهة المخوّلة باتخاذ القرارات وفرض العقوبات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وهو أيضاً من يعطي الإشارة لإقفال المعامل أو المصانع أو أي مؤسسة تعنى بالشأن الغذائي. كما أنّ دورياتنا متواصلة في ما يتعلق بقضية سلامة الغذاء، وهذا يشمل السوبرماركت والمتاجر، حيث يتفقد المراقبون البرادات للتأكد من صلاحية اللحوم، ومن عدم خلط المبرد والمثلج مع الطازج. وعلى صاحب العلاقة أن يعلن بوضوح أنّ مؤسسته تحتوي على لحوم مبردة وأخرى مثلجة وأخرى طازجة، وهذا جزء من العمل اليومي الذي نقوم به".

ويختتم يونس حديثه بالتنويه  أنّ: "استراتيجيتنا قائمة على العمل المتواصل اليومي، وللأسف، وبسبب كثرة المهام الملقاة على عاتقنا، فإنّه عندما يبرز موضوع مستجد نوليه اهتماماً إضافياً، فيما تبقى المراقبة مستمرة. فعلى سبيل المثال، في بيروت وجبل لبنان نرسل يومياً ما بين 16 و18 دورية موزعة على جميع المهام التي ذكرتها".

الداء في علبة!

في مقابل كل ما ذكر، تبقى اللحوم المصنعة التي تصل إلى موائدنا ليست مجرد طعام؛ فهي قد تتحوّل إلى تهديد مباشر لصحة الإنسان، مسبّبة أمراضا خطرة قد تكون مزمنة أو حتى قاتلة. وفي هذا الإطار، توضّح اختصاصية التغذية، كاتيا قانصو لـ "الديار، أبرز المخاطر الصحية لهذه المنتجات وتتمثل بالآتي:

خطر السرطان: صنفت منظمة الصحة العالمية اللحوم المصنعة ضمن المجموعة الأولى من المواد المسرطنة، ما يعني وجود أدلة قوية على أنّها قد تسبب السرطان، خصوصا سرطان الأمعاء والمعدة.

أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم: تحتوي على كميات كبيرة من الملح، ما يرفع ضغط الدم ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

الاضطرابات الهضمية: يساهم انخفاض محتواها من الألياف في مشاكل الهضم، مثل الإمساك والغازات وآلام البطن والانتفاخ.

التأثير في العظام: قد يؤدي الإفراط في الملح الموجود في الأطعمة المصنعة إلى زيادة فقدان الجسم للكالسيوم عبر البول، مما يساهم في هشاشة العظام.

وتوضح: "بشكل عام، اللحوم المصنعة، حتى تلك التي تطابق المواصفات، ليست صحية، إذ صنفتها منظمة الصحة العالمية في عام 2015 كـ"مادة مسرطنة للإنسان"، وربطت استهلاكها بزيادة خطر الإصابة بأنواع من السرطان، مثل سرطان القولون والمستقيم، بالإضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية. وتعود المخاطر بشكل أساسي إلى وجود مادة النترات والنتريت، وارتفاع مستويات الصوديوم والدهون غير الصحية فيها، مما يزيد من احتمال الموت المبكر".

شر الامراض بعض "التجار"!

وتفند قانصو: "الأسباب الرئيسية لعدم صحة هذه الاصناف والتي تشمل:

مواد مسرطنة: قد تحتوي اللحوم المصنعة على مواد مسرطنة، مثل النتروزامين، التي تتكوّن نتيجة تفاعل مادة نترات الصوديوم مع مواد أخرى أثناء التصنيع.

الأطعمة فائقة المعالجة: تصنّف اللحوم المصنعة ضمن فئة الأطعمة فائقة المعالجة، والتي ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني.

محتوى الصوديوم والدهون: غالباً ما تحتوي هذه المنتجات على كميات كبيرة من الصوديوم (الملح) والدهون غير الصحية، مما يساهم في ارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والنوبات القلبية والسكتات الدماغية".