المصدر: القبس
الجمعة 22 تشرين الأول 2021 00:44:05
«في غرفة كبيرة حيث تفوح رائحة قوية جداً، دخلت في زحام شديد، لأجد نفسي أمام جثة الزعيم الليبي معمر القذافي، وبجانبه جثّتا ابنه وحارسه الشخصي الرئيسي».
هكذا وصف الصحافي الفرنسي ألفريد دي مونتسكيو دخوله الغرفة التي وضع فيها جثمان القذافي، الذي كان يوما يطلق على نفسه «ملك ملوك أفريقيا»، بعد يوم من مقتله.
في صباح الخميس 20 أكتوبر2011 غادر رتل من 40 سيارة مدينة سرت الساحلية، آخر معقل للقذافي، على أمل التسلل من بين صفوف الثوار، وفق ما أوضح دي مونتسكيو في تقرير حصل على جائزة «ألبرت لوندر» المرموقة.
وكان المراسل -وهو حينذاك صحافي في دورية باري ماتش- ذهب إلى سرت بعد وفاة القذافي مباشرة، وفي حديث لصحيفة لوفيغارو، قال إن «العنان قد أطلق في ذلك اليوم لليبيين»، إذ شاهد بعضهم يركلون جثة زعيمهم أو ينزعون خصلات من شعره أو حتى بعض أظافره.
وأضاف دي مونتسكيو: «كان الغيظ شديداً، وعبّروا عنه مادياً، فكانوا كلهم يلتقطون صور سيلفي، ويلمسون جثمانه، بل ويعرضونه للإهانة، كان الأمر مثيراً للشفقة. كيف لا، وهذا الرجل الذي حكم 41 عاماً يتعرض لكراهية الرعاع».
قصف جوي
ولتسليط الضوء على ما حدث، يقول المراسل: «لم تلاحظ خطوط المتمردين الأولى مرور أي شيء إلا طائرة أميركية دون طيار ترصد القوات التي تحاول الهروب»، وكان ذلك الرتل يحمل القذافي الذي خسر معركة سرت.
وكانت محاولة الهروب هذه بمبادرة نجله معتصم، الذي كان يأمل في عبور الصحراء والوصول إلى الجنوب للاحتماء هناك، لكن ما إن بلغ الموكب ضواحي سرت، حتى أطلقت طائرة أميركية دون طيار صاروخاً أصاب 3 من السيارات الفارة.
وبعد لحظات من الضربة الأولى للطائرة الأميركية، أسقطت مقاتلات «ناتو» الفرنسية، بما في ذلك «ميراج 2000» قنابل على القافلة، التي كانت تحاول شق طريقها تحت نيران المتمردين على الأرض.
ونقلاً عن الشهادات التي جمعها، يوضح دي مونتسكيو: «لقد كانت مجزرة، كانوا ينقلون مئات من عبوات البنزين لعبور الصحراء، فمات كثير منهم وهم يزحفون على الأرض على بقع الوقود المشتعلة».
قتل الزعيم
أما القذافي، فتقول «لوفيغارو» إنه «أصيب في رأسه، وكان ينزف بغزارة، وهرب مع ابنه سيراً على الأقدام، ليتعقّبه الثوار، فيلجأ إلى فتحتي صرف كبيرتين».
وهنا، يقول مونتسكيو: «أصبح من كان يوماً يطلق على نفسه ملك ملوك إفريقيا محاصراً مثل الجرذ في المجاري»، قبل أن يقضي الثوار على البقية الباقية من مؤيديه ويقتلونه بالطريقة البشعة.
وينقل مونتسكيو عن أحد الثوار قوله تعليقاً على إعدام القذافي خارج القانون: «عليك أن تفهم أن هذا الرجل كان أسوأ من الشيطان، ولم نعد ننظر إليه على أنه بشر إطلاقاً».
«لقد قُتل برصاصتين من مسافة قريبة»، وفقاً لمونتسكيو، وهذا أيضاً هو الاستنتاج الذي توصل إليه الطبيب الشرعي الذي أجرى تشريح جثته، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
وسرعان ما أعلن شاب يدعى سند الصادق العريبي في مقطع فيديو أنه هو من قتل الزعيم، وعرض دليلاً على ذلك خاتماً من ذهب يُعتقد أنه خاتم القذافي.
لا مؤامرة
لكن هل فعلاً حدثت الأمور بهذه الطريقة؟ بالنسبة لمونتسكيو الإجابة هي «نعم بالتأكيد»، مستبعداً نظريات المؤامرة السائدة في العالم العربي، التي تقول إن القذافي اغتيل من عناصر تابعة لإحدى الدول.
وهنا تنقل «لوفيغارو» عن جليل حرشاوي الباحث في منظمة المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والمتخصص في ليبيا: «الليبيون هم من قتل القذافي، ولا احتمالات أخرى».
ويحلل ذلك، قائلاً: «كنا في حمى ونشوة الثورة، في قلعة الثورة بامتياز، مصراتة»، مضيفاً: «لقد مات القذافي بالطريقة نفسها التي مات بها الزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني على يد فصيل إيطالي في قرية صغيرة شمالي إيطاليا».