المصدر: النهار
الاثنين 24 كانون الثاني 2022 19:25:30
تحذير طبي لم يلقَ صداه عند أحد، وما تخوّف منه كثيرون بدأنا نحصد نتائجه الكارثية، منذ يومين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصة الأم "ام قاسم" أو ثريا فواز التي توفيت نتيجة عدم تناولها دواء القلب لمدة 3 أيام. هذه الحادثة المأسوية يجب أن تكون برقبة كل مسؤول وكل معني في ملف الدواء، أن يتوفى مريض نتيجة عدم تأمين دوائه هو جريمة إنسانية، والسكوت عن هذه الصرخات الإنسانية هو قتل متعمد من قبل التجار والمسؤولين عن القطاع الدوائي للشعب اللبناني.
حلّت الكارثة على عائلة حسن لولي، ليس سهلاً أن تشهد وفاة أم وزوجة أمام مرأى من عيون أولادها وشريك حياتها، لقد توفيت أمامهم برمشة عين، ولم يتوقع أحد أن يكون هذا العشاء اللقاء الأخير معها وصورتها التي إلتقطتها مع العائلة صورة الوداع.
مؤلم جداً وقاسٍ ما عاشته هذه العائلة، والأخطر أن يتكرر مع عائلات أخرى في ظل استمرار أزمة انقطاع الدواء خصوصاً الأدوية المزمنة التي قد تهدد حياة المرضى وتُسبب بمضاعفات صحية خطيرة. وما جرى مع ثريا أكبر دليل على أن توقيف الدواء بطريقة قسرية قد يكون ثمنه باهظاً، وقد دفعت ثريا حياتها ثمن عدم تناول دوائها لمدة ثلاثة أيام نتيجة انقطاعه.
يؤكد زوجها علي حسن لـ"النهار" أنها "تعاني من تسارع في دقات قلبها، وكانت تتناول دواء لتنظيم دقات القلب لمدى الحياة. لكن لم تنجح كل مساعينا في تأمينه بالوقت المناسب، وبقيت 3 أيام من دون تناول أي حبة. والأصعب أنه لا يوجد بديل عنه، ما زاد من صعوبة تأمينه. وبعد أن نجحنا في توصية أحدهم بتأمين علبتين منه من تركيا ، تلقينا في الليلة نفسها من وفاتها اتصالاً آخر يخبرنا بأنه نجح في تأمين الدواء وغداً يمكن استلامه، إلا أن الموت كان أسرع إلى قلبها وخطفها منا".
ويتحدث زوجها عن تلك الليلة قائلاً: "لقد كنا نتعشى في المطعم، وكانت سعيدة جداً بأولادها وهي دائمة البهجة والابتسامة لا تفارق وجهها. شعرت بألم في معدتها وعندما سألناها إذا كانت تشكو من شيء، قالت لنا إنه قد يكون السبب تخمة الطعام على معدتها، وأن لا شيء يدعو للقلق. ومن بعدها إلتقطتُ صورة معها وجلستُ حتى تسقط، لقد توقف قلبها بغمضة، حملتها بسرعة ولكنها كانت قد فارقت الحياة. ما جرى معنا لم نتوقعه، حبة دواء أودت بحياة أغلى الناس، لقد كانت سندي وكل شيء في حياتي وحياة أودلاها، وموتها بهذه الطريقة سيبقى حرقة في قلوبنا جميعاً.
برأي زوجها أن "الدواء ليس السبب الوحيد إلا أنه عامل رئيسي للوفاة، هي ليست المرة الأولى التي يحدث معها انتكاسة صحية، إلا أنه في المرة الأولى نجحنا في انقاذها وربما كان تناولها للدواء عاملاً مساعداً، أما اليوم توقف قلبها ولم يكن دواءها متوفراً".
يدرك شريك حياتها أن "الكلام لا يجدي نفعاً لأن زوجته وأم أودلاه وكل حياته رحلت بلحظة، نحن في بلد أصبح التجار أخطر من المسؤولين، كلهم تماسيح وحتى الشعب "منو منيح بحق بعضو". صرختنا ستكون شبيهة بصرخات كثر ولا من يسمع أو يكترث، لا أحد يشعر معنا أو بوجعنا، خسرتها اليوم بعد سنين من العمر قضيناها معاً على "الحلوة والمرة"، إلا أنها رحلت باكراً (42 عاماً) في بلد باتت فيه أدنى حقوق الإنسان مستحيلاً".
يرفض نقيب الصيادلة جو سلوم في حديثه لـ"النهار" أن نقابة الصيادلة والصيادلة لا علاقة لهم بالموضوع، ولا يمكن لأحد أن يُحمّلهم مسؤولية انقطاع الدواء، ونحن أكثر فئة تطالب بتوفير هذه الأدوية وتأمينها لإنقاذ حياة المواطنين، بالإضافة إلى مطالبتنا بتنفيذ البطاقة الدوائية لتأمين الدواء للمواطن. كما تم تفعيل التفتيش الصيدلي بهدف تأمين الأدوية وبالتالي لا علاقة للصيدلي بمسألة انقطاع الدواء".
ويُعيد سلوم المشكلة القديمة الجديدة إلى "نقص التمويل وعدم وجود خطة دوائية مستدامة حتى الساعة ما يجعلنا نصل وللأسف إلى هذه الحادثة المأسوية. ما زلنا برغم كل الجهود والوعود نعاني من شح وانقطاع في الأدوية، والمسألة عالقة بين المركزي والمستوردين ونأمل أن تتوفر هذه الأدوية بأسرع وقت ممكن."
وعن تأمين البديل، يشير نقيب الصيادلة إلى أن "دواء Betaloc 50 الذي يُعطى لتنظيم دقات القلب يوجد له أكثر من بديل ولكن ليس بنفس التركيبة وكان يمكن وصفه ليحل مكان دوائها الأساسي. ما جرى يجب أن يدفعنا أكثر للمضي في استراتيجية دوائية متكاملة لمنع تكرار هذه الكارثة مع عائلة أخرى."
في حين يوضح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ"النهار" أن "أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية تخضع لآلية الموافقة المسبقة من وزارة الصحة والبنك المركزي، ما يعني أن المستورد لم يعد قادراً على استيراد ما يريده وحاجته وانما ينتظر حصوله على الموافقة ليتمكن من اسيتراد ما تم الموافقة عليه بتحديد الكميات ونوع الأدوية. والأهم أن هذه المواصفات تعطى على حجم ميزانية الدعم أي 25 مليون دولار شهرياً."
ولكن هل تكفي هذه الكمية المستوردة والمحفظة المالية لتأمين حاجة كل السوق اللبناني؟ برأي جبارة "لا أعتقد ذلك، ولقد قلناها مراراً أن الكمية غير كافية. وعليه، فإن مشكلة القطاع الدوائي تكمن في التمويل أولاً، وبالتالي نحن بحاجة إلى تأمين تمويل لهذا القطاع حتى نتمكن من تأمين أكبر كمية ممكنة للناس. صحيح أن الوزارة تضع شهرياً لائحة بأولوية الأدوية ضمن الميزانية المحدودة (25 مليون دولار) ولكن نعرف تماماً أن هذه الميزانية غير كافية لتأمين حاجة السوق اللبناني".
إذاً الحل هو بإيجاد تمويل إضافي لسد هذه الثغرة، وبحسب تقدير جبارة نحن "بحاجة إلى تأمين 25 مليون دولار أخرى حتى نتمكن من استيراد كمية الأدوية المزمنة والمستعصية التي تكفي حاجة السوق اللبناني أي العودة إلى مبلغ 50 مليون دولار شهرياً. وهذا كله يبقى رهن نسبة الدعم، فكلما خففنا الدعم تمكنا من استيراد الأدوية أكثر وارتفع سعرها أكثر.
لذلك على الجهات المعنية تحديد مدى قدرتها على تخفيف الدعم لتوفير الأموال ولكن وطأة تخفيف الدعم ستنعكس على قدرة المواطن الشرائية المتدنية في تأمين دوائه، ناهيك عن عدم قدرة الجهات الضامنة على تغطية الأسعار الجديدة للأدوية وهي ما زالت تغطي على سعر 1500 ل.ل.