بيروت بين التسوية والانفجار.. حراك دبلوماسي لإنقاذ لبنان من حرب محتملة

تتوالى الزيارات العربية والدولية على العاصمة اللبنانية بيروت، في مسعى لحل "معضلة" سحب سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة، واستكمال انتشار الجيش اللبناني في الجنوب.

ويرى خبراء أن تلك الزيارات بمثابة "الفرصة الأخيرة" لحماية لبنان من حرب إسرائيلية منتظرة، كما يبدو من مجمل الأحداث والتصريحات التي تُرصد في البلاد، ولا سيما من أمين عام حزب الله نعيم قاسم وسائر مسؤولي التنظيم، الذين يؤكدون أن تسليم سلاح الحزب "عملية غير واردة"، في وقت تعمل فيه الميليشيا اللبنانية على استعادة عافيتها، وإعادة بناء هيكلها التنظيمي بطريقة أفضل من السابق على المستوى العسكري.

وأفاد الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" بأن نجاح هذه الجهود غير مضمون، لا سيما أن حزب الله يصرّ على عدم نزع سلاحه أو مناقشة هذا الموضوع قبل انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها وتسليم الأسرى. 

ضغط على لبنان
وقال المنسق السابق للحكومة اللبنانية مع قوات "اليونيفيل"، العميد منير شحادة، إن بلاده تقع تحت ضغط دولي، إذ صدر قرار يقضي بحصر السلاح بيد الدولة، وكُلِّف الجيش بوضع خطة لتنفيذ هذا القرار في مهلة أقصاها نهاية العام الحالي، ثم اعترض الثنائي الشيعي "حزب الله – حركة أمل" على القرار واعتبراه غير ميثاقي.

وأوضح شحادة في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "الجيش أعدّ خطة مؤلفة من 5 مراحل، تبدأ الأولى منها في جنوب الليطاني، شريطة انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة وتوقف الاعتداءات، ليتسنى للجيش اللبناني استكمال انتشاره الكامل في منطقة جنوب الليطاني. وعند انتهاء المرحلة الأولى ينتقل الجيش إلى الثانية، وحينها تصبح الكرة في ملعب الجانب الأمريكي للضغط على إسرائيل لتنفيذ مطلب الانسحاب من النقاط الخمس ووقف الاعتداءات، وهو ما لم يحدث حتى الآن".

وذكر أن "الخطة، التي وُضعت بموافقة الرؤساء الثلاثة في لبنان، لم ترُق لتل أبيب، ما أدى إلى زيادة التصعيد، من خلال قصف إسرائيلي استهدف مناطق عدة في لبنان وهدد حياة المدنيين".

وأشار إلى أن "تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك حملت تهديدات بنزع سلاح حزب الله بالقوة إذا لم يُسلَّم طوعًا، مما يفاقم احتمالات التصعيد".

ويؤكد شحادة، أن "الدور الآن بات للمبعوثين الدوليين والحراك الدبلوماسي عبر توم باراك، ومورغان أورتاغوس، وأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذين يزورون بيروت بغرض تخفيف حدة التوتر في الساحة الجنوبية ومنع العودة إلى الحرب". 

ورأى أن "نجاح هذه الجهود غير مضمون، خصوصًا أن حزب الله يصرّ على عدم نزع سلاحه أو مناقشة موضوعه قبل انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها وتسليم الأسرى".

وبيّن شحادة، أن "المنطقة الجنوبية من لبنان وشمال فلسطين ستبقى مشتعلة في هذه الفترة، وأن إسرائيل توجه رسائل ضغط بالنار على لبنان لتنفيذ مطلب نزع السلاح الآن وليس غدًا، بينما يرفض حزب الله ذلك بشكل قاطع، واضعًا ترسانته ضمن إطار استراتيجية الأمن الوطني".

"الفرصة الأخيرة"
من جهته، يعتقد الباحث السياسي اللبناني الدكتور ميشال شماعي، أن "تلك الزيارات تشكل الفرصة الأخيرة لحماية لبنان من حرب إسرائيلية محتملة، كما يظهر من كل ما يُرصد في البلاد من أحداث وتصريحات، خصوصًا من نعيم قاسم وسائر مسؤولي حزب الله، الذين يشددون على أن تسليم السلاح غير وارد، بل يذهبون إلى حد التأكيد على أن الحزب استعاد عافيته ويعيد بناء تنظيمه بطريقة أفضل من السابق على المستوى العسكري، مستفيدًا من دروس الحرب الإسرائيلية الأخيرة".

وأضاف شماعي لـ"إرم نيوز"، أن "مثل هذه التصريحات في ظل الظروف الراهنة ستنعكس سلبًا على الدولة اللبنانية ككل، وأن الاعتداء الإسرائيلي المقبل لن يكون موجهًا حصريًا ضد حزب الله، بل سيطال مختلف مؤسسات الدولة اللبنانية".

وتوقع أن "الضربة التي قد تشنها إسرائيل على لبنان لن تقتصر على المنشآت العسكرية أو استهداف شخصيات وقيادات في حزب الله، بل ستمتد إلى المنشآت المدنية والبنية التحتية للدولة اللبنانية من جسور ومصانع ومحطات كهرباء ومطارات ومرافق، وكل ما يؤدي إلى عملية دمار شامل وشلل تام في قدرات الدولة". 

وأشار شماعي، إلى أنه "جرى التحذير مرارًا من هذه الأجواء وما قد تؤول إليه، لكن من دون استجابة، وباتت الحكومة اللبنانية عاجزة عن تنفيذ القرارات التي اتخذتها في جلستي 5 و7 أغسطس/آب الماضي حتى الآن".

وأوضح أن "العهد الجديد يحاول العمل على حصر السلاح، لكن عدم تجاوب حزب الله سيكبد لبنان خسائر فادحة".

ولفت إلى أن الضامن الذي كان يحول دون وقوع ضربة إسرائيلية — في إشارة إلى الجانب الأمريكي والدول العربية والمجتمع الدولي — قد يرفع يده عن لبنان، ما سيجعل الدولة مكشوفة أمام جميع الاحتمالات التي تسعى إسرائيل إلى تنفيذها على الأراضي اللبنانية كافة.

وأردف شماعي أن وتيرة عمليات الاغتيال الفردية التي تنفذها إسرائيل ضد قيادات وعناصر حزب الله في الداخل تتصاعد منذ وقف إطلاق النار وحتى الآن، مشيرًا إلى أن جميع هذه المعطيات تدل على أن الأيام المقبلة ستكون "سيئة وسوداء"، على حد وصفه وتوقعه، وأن الزيارات الحالية للمسؤولين الدوليين والعرب تمثل الفرصة النهائية، لا مجرد زيارة أخيرة. 

تسوية تدعمها طهران
في المقابل، يرى المحلل السياسي جمال ترو، أن احتمال اندلاع الحرب قد يتلاشى في اللحظة الأخيرة إذا رضخ حزب الله لتسويات تدعمها طهران، أما إذا فشلت تلك المساعي، فستكون المواجهة مفتوحة.

وقال ترو لـ"إرم نيوز"، إن "شكل هذه الحرب — إذا اندلعت — غير واضح بعد، سواء من حيث تحولها إلى مواجهة إقليمية شاملة تضم إسرائيل وإيران وحزب الله والحوثيين".

ورأى أنه "من الصعب أن يمر هذا الشتاء بهدوء، في ظل ما يصدر عن حزب الله حول سعيه لاستعادة هيكليته وقدراته، وتصريحات إسرائيل التي تعكس عزمها على عدم الرضوخ للضغوط الأمريكية، مؤكدة أنها ستشن حربًا جديدة إذا شعرت بالخطر، ما يفتح الباب أمام جبهة صراع جديدة".

ولفت ترو، إلى أن "لبنان يعيش الآن مراحل حاسمة بين الحل والضربة، وأن شكل الاعتداء ومداه غير معروفين حتى الساعة، لأن المصير بيد صانعي القرار".