المصدر: Agencies
الثلاثاء 21 تشرين الأول 2025 13:13:44
بين تصاعد التوترات الجيوسياسية وتفاقم الأزمات البيئية، أطلق الملياردير الأميركي ومؤسس “مايكروسوفت” بيل غيتس، تحذيراً صارخاً: “نحن عند نقطة تحول.. والعالم يقترب من الانهيار”، داعياً إلى تحرك عاجل قبل فوات الأوان.
وفي مقابلة موسعة مع صحيفة “L’Express” الفرنسية، تحدث غيتس بنبرة غير معتادة، مشيراً إلى أن السنوات العشرين المقبلة ستحدد مصير البشرية لعقود طويلة. فالعالم، بحسب رؤيته، يشهد تفككاً متسارعاً في منظومة التعاون الدولي، وسط تصاعد النزعة القومية وتراجع ميزانيات التنمية.
لم يكتف غيتس بتشخيص الأزمة، بل دعا إلى إعادة الالتزام بالمسؤولية العالمية، محذراً من أن الدول الغنية بدأت تنكفئ على نفسها في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى الدعم. ففي عام 2023، انخفضت المساعدات التنموية الرسمية بنسبة تقارب 5%، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، رغم تفاقم أزمات المناخ والجوع وضعف الأنظمة الصحية في دول الجنوب العالمي.
وقال غيتس: “الإغراء بالانكفاء الداخلي لم يكن أقوى مما هو عليه الآن”، مشيراً إلى أن هذا التراجع لا يقتصر على التمويل، بل يشمل أيضاً تغير المزاج السياسي والاقتصادي الذي يدفع الالتزامات الدولية إلى الهامش.
وتكشف بيانات البنك الدولي أن أكثر من 570 مليون شخص قد يظلون في فقر مدقع بحلول عام 2030، ما يهدد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وأضاف غيتس: “نحن نواجه خطر ترسيخ التفاوت على مستوى كوكبي”.
أمل هش في صحة الأطفال
ورغم قتامة الصورة، يرى غيتس بصيص أمل في مجال صحة الأطفال. ففي عام 1990، كان أكثر من 12 مليون طفل دون سن الخامسة يموتون سنوياً، لكن هذا الرقم انخفض إلى 5 ملايين بحلول عام 2021، بفضل التقدم في مجالات التطعيم والصرف الصحي ورعاية الأمهات.
ويعتقد غيتس أن بالإمكان خفض هذا الرقم إلى مليوني وفاة فقط بحلول أربعينيات هذا القرن، إذا ما استمرت الاستثمارات في الأنظمة الصحية العالمية. وقد ساهمت مؤسسة غيتس، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات “غافي”، في إيصال اللقاحات إلى مئات الملايين من الأطفال.
لكن هذه الإنجازات تبقى مهددة. فخلال جائحة كورونا، تعطلت برامج التطعيم في أكثر من 70 دولة، وارتفعت معدلات التردد في تلقي اللقاحات. وتشير دراسة نُشرت في مجلة The Lancet عام 2023 إلى أن معدلات التطعيم الروتيني قد تستغرق سنوات لتعود إلى مستوياتها السابقة، ما ينذر بارتفاع محتمل في وفيات الأطفال.
المناخ والتكنولوجيا.. معركة مزدوجة
ويصف غيتس أزمة المناخ بأنها “مضاعِفة للمخاطر”، إذ تؤدي العواصف والجفاف والفيضانات إلى تقويض عقود من التقدم التنموي. وتُقدّر الأمم المتحدة أن احتياجات التكيف المناخي ستتجاوز 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، في حين أن التمويل الحالي لا يرقى إلى هذا المستوى.
ورغم ذلك، يراهن غيتس على الابتكار. فمن خلال شركته “Breakthrough Energy”، يدعم أبحاثاً في مجالات التقاط الكربون والطاقة النووية المتقدمة والبروتينات البديلة. ويؤمن بأن التكنولوجيا المناخية، إذا ما تم نشرها بشكل عادل، يمكن أن تقود العالم نحو مستقبل منخفض الانبعاثات.
لكنه يحذر من الإفراط في التفاؤل، قائلاً: “التكنولوجيا وحدها لا تكفي”، مشدداً على ضرورة اقتران الابتكار بسياسات عامة ذكية وتعاون دولي وعدالة في التوزيع. فبدون الحوكمة الرشيدة، حتى أفضل الحلول قد تتحول إلى أدوات في يد القلة.
العمل الخيري.. بمدة صلاحية
وفي خطوة غير تقليدية، أعلن غيتس عزمه على إنهاء عمل مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” خلال 25 عاماً من وفاته ووفاة زوجته السابقة ميليندا. ويقول إن الهدف هو التحرك الآن، بينما لا تزال بعض الحلول ممكنة.
وتتوافق هذه الرؤية مع أبحاث من جامعة ستانفورد، تشير إلى أن المؤسسات الخيرية ذات الأجل المحدد تكون أكثر جرأة في تمويل الحلول طويلة الأمد، وتتفادى الجمود المؤسسي.
ويؤكد غيتس أن العمل الخيري لا يمكن أن يحل محل دور الحكومات، لكنه يستطيع سد الثغرات التي تعجز السياسات عن معالجتها. وقال: “الحكومات يجب أن تقود.. لكن العمل الخيري يمكنه أن يتحرك بسرعة، ويخاطر، ويملأ الفراغات التي لا تجرؤ السياسة على الاقتراب منها”.