المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الثلاثاء 12 آب 2025 15:59:06
فرضَ أصحاب مولّدات الكهرباء الخاصّة أنفسهم لاعباً أساسياً يتخطّى الدولة ووزاراتها ومؤسساتها الأمنية، ومَن لا يُعجبه أي قرار يتعلّق بالتقنين أو عدم تركيب العدّادات أو غير ذلك، فيمكنه عدم الاشتراك في تلك "الخدمة" التي يعتمد عليها اللبنانيون اعتماداً شبه كامل منذ بداية الأزمة الاقتصادية. والسلطة التي اكتسبها أصحاب المولّدات على مدى سنوات سبقت الأزمة، حوّلتهم إلى قطاع قائم بفعل الأمر الواقع لا القانون، ودفعت الدولة إلى ابتداع آليات لمحاولة لجم الانفلاش الكبير، خصوصاً لناحية التحكّم بالأسعار، لكن لا حلّ شاملاً للملف حتى الآن.
وعلى غير عادة، يبدو أنّ "صحوةً" تلوح في الأفق، وتتمثّل بمحاولة وضع ضوابط وقيود تحكُم أصحاب المولّدات وتمنع ابتزازهم للناس والدولة. والعقوبات حاضرة لمن لا يلتزم، وصولاً إلى مصادرة المولّدات وتسليمها إلى البلديات. فهل يأتي الحسم قريباً أم هي جولة فلكلورية جديدة؟
قرار بالحسم
سلسلة اجتماعات شهدتها مكاتب الوزارات المعنية بملفّ المولّدات، فضلاً عن السراي الحكومي الذي استقبل جلسة ترأسها رئيس الحكومة نواف سلام. وهدفت الاجتماعات التي كان آخرها يوم أمس الاثنين، إلى وضع آليات لضبط قطاع المولّدات، وتحديداً لجهة الالتزام بالتسعيرة التي تضعها وزارة الطاقة، وبتركيب العدادات والتزام المعايير البيئية.
ولأنّ ضبط هذا القطاع بات ملحّاً، تتحضّر الدولة لوضع خطّة يتكامل فيها العمل بين الوزارات المعنية بالملف والأجهزة الأمنية والقضاء. ولذلك، تكشف مصادر مواكبة للاجتماعات، في حديث إلى "المدن"، أنّ "هناك خطّة ليست سهلة، لكنها كفيلة بوضع حدّ لهذا الملفّ". وتقول المصادر إنّ "على الوزارات المعنية التنسيق مع القوى الأمنية والقضاء". وتلفت إلى أنّ نجاح الخطّة يعتمد على الجدية في تحرّك القضاء. "فعندما يقوم مراقبو وزارة الاقتصاد بالكشف عن مخالفة لدى أحد أصحاب المولّدات، بمواكبة قوّة من أمن الدولة، فإنّ محاضر الضبط المسطّرة تذهب إلى القضاء، وهناك، إمّا تختفي أو تخلص إلى دفع قيمة الضبط". وتشير المصادر إلى أنّ أصحاب المولّدات "لا يبالون بقيمة الضبط، لأنها أرخص بكثير من كلفة الالتزام بالمعايير الفنية والبيئية وتركيب العدادات والالتزام بالتسعيرة وما إلى ذلك. ومن هنا، يُبحث في الاجتماعات عن آلية جديدة لضبط الوضع".
الآلية الجديدة وفق المصادر ستقوم على "إعطاء أصحاب المولّدات مهلة شهر لتسوية أوضاعهم والالتزام بالمعايير والتسعيرة والعدّادات، ومَن لا يلتزم، ستُصادر مولّداته وتُسلّم إلى البلديات".
الضغط السياسي حاضر
تدرك المصادر صعوبة التطبيق، وتقول إنّ الضغوط السياسية ستكون حاضرة، وقد أخذَها المجتمعون في الاعتبار بوصفها احتمالاً طبيعياً قد يعرقل تطبيق الخطّة، لكن الجميع يعوّل، برأي المصادر، على أنّ "الناس في المناطق مؤيِّدة للأحزاب السياسية وتدفع ثمن ما يقوم بها أصحاب المولّدات، وبالتالي فإنّ حماية القوى السياسية لهم، تعني وقوفهم في وجه جمهورهم"، وهو ما قد يتحوّل في المقلب الآخر إلى عامل ضغط مساعد على تطبيق الخطّة.
بالتوازي، يذهب رئيس لجنة الاقتصاد الوطني والصناعة والتجارة والتخطيط، فريد البستاني، بعيداً جداً في التقليل من شأن التدخّلات السياسية في تطبيق الخطّة وحماية أصحاب المولّدات الذين لن يلتزموا. ويؤكّد في حديث إلى "المدن" أنّ "الغطاء السياسي لن يجدي نفعاً في ظل جدّية الدولة ووجود قرار بتطبيق القانون ومؤازرة القوى الأمنية لمراقبي وزارة الاقتصاد، ومَن يفتح فمه سيذهب إلى السجن".
وتنطلق الجدّية، في رأي البستاني، من ضرورة "حماية المستهلك وتأمين حقّ الدولة بالضرائب والرسوم من هذا القطاع، عن طريق دفع أصحاب المولّدات للضرائب، وخصوصاً ضريبة الدخل والضريبة على القيمة المضافة TVA، وضمان الحماية من التلوّث والإصابة بأنواع السرطان". ولمواكبة هذا التحوّل، على وزارة الطاقة، وفق البستاني "العمل على زيادة ساعات التغذية بالكهرباء، لأن ذلك يقلص الاعتماد على المولّدات الخاصة".
رهان على الوقت
القطاع الذي "تصل قيمته إلى نحو ملياري دولار ويقع تحت إدارة كارتلات"، وفق البستاني، "يتطلّب ضبطاً ومراقبة صارمين". لكن هل يتحقّق ذلك على أرض الواقع؟. الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى مراجعة سريعة لأسباب ظهور قطاع المولّدات وانفلاشه إلى هذا الحدّ. وأبرز الأسباب غياب الكهرباء الرسمية وانتعاش تجارة المحروقات التي تعزّزها حاجة المولّدات للمازوت، وهذه التجارة لا تقوم بلا غطاء سياسي. وعليه، فإنّ هذا القطاع باقٍ ويتمدّد ما دامت البلاد ولاّدة أزمات، والحلول ممنوعة بفعل سطوة تجّار الأزمات. ولأنّ لا تغيير جذرياً حصل على مستوى القوى السياسية، فإنّ الترابط بين التجارة والسياسة والتفلّت من الضوابط والقوانين، سيبقى قائماً، إلى أن يثبت العكس.
وعليه، يراهن أصحاب المولّدات ومِن خلفهم القوى السياسية، على الوقت، لتحويل الخطّة المنتظرة إلى جولة جديدة تشبه نظيراتها من الحملات على أصحاب المولّدات، فتُصادَر بعض المولّدات بمواكبة إعلامية، وينقضي الأمر. في حين أنّ التغيير الجذري يبدأ على المدَيين المتوسّط والطويل وليس القصير، لأنّ الحكومة غير قادرة على تفكيك كارتلات المولّدات ومَن يسندها سياسياً. أمّا مستقبلاً، فيجب العمل على تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة، وفتح المجال أمام الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة تحت غطاء الدولة، بالتوازي مع إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان لجهة تعيين مجلس إدارتها، والتخلّص من المشاريع التي تستنزف مالها وقدرتها على تحصيل الفواتير وضبط الهدر، وإلزام أصحاب المولّدات بالعمل تحت سلطة البلديات، ليكون الإنتاج والتوزيع بإشراف البلديات وبالشراكة معها، وفق ما تسمح به إمكاناتها المالية.
وفي انتظار تلك المشاريع، يمكن للجهات المعنية بالملف، إثبات الجدية في الحسم بدءاً بيروت الإدارية على الأقل، حيث يفترض أنّ تبسط الدولة سلطتها على نحوٍ واسع هناك، خلافاً لمناطق وضواحٍ أخرى تمتلك فيها القوى الحزبية زمام الأمور وتقيّد سلطة الدولة بحجج أمنية. فالكثير من أصحاب المولّدات في بيروت لا يلتزمون بتركيب العدّادات، ولا بتسعيرة وزارة الطاقة، ويقطعون الكهرباء عند ساعات معيّنة من الليل، وهذا ما يُلزم المشتركين بالبقاء بلا كهرباء، ضحايا لحرارة الصيف أو برد الشتاء.