المصدر: independent arabia
الاثنين 15 نيسان 2024 16:25:40
هل تترنح معادلة "قانا" (حقل يقع أمام شواطئ لبنان) مقابل "كاريش" (يبعد 100 كيلومتر عن سواحل إسرائيل) على وقع طبول حرب الإقليم؟ سؤال مشروع يطرحه اللبناني على نفسه، نظراً إلى المخاوف الجدية من حرب محتملة قد تؤدي إلى دمار ما تبقى من مقومات الدولة من جهة، ومن جهة أخرى خسارة فرصة تحول لبنان إلى دولة نفطية التي بدأت في أعقاب التسوية الملتبسة التي نسجها الوسيط الأميركي آموس هوكستين قبل أيام من انتهاء ولاية الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.
في حينه شكل الاتفاق اعترافاً دولياً واضحاً في حق الجانب اللبناني ببدء أعمال التنقيب ضمن حقل "قانا" بالتعاون مع الائتلاف المكون من "توتال إنرجيز"، وشركة "إيني" الإيطالية، و"قطر" للطاقة، في موازاة بدء الطرف الآخر في استخراج وتسويق الغاز من حقل "كاريش" الواقع ضمن الخط 29 بمعدل 100-130 ألف برميل نفط يومياً، وتشير الآراء العلمية إلى تنازلات لبنانية بهذا الشأن نظراً إلى وقوع الحقل ضمن التصور النظري للمنطقة الاقتصادية الخالصة.
"رجاء عدم التأخير"
بعد مرور سنة ونصف السنة على الاتفاق، ما زال لبنان ينتظر الأخبار المبشرة لأعمال التنقيب. ولم تبادر شركة "توتال إنرجيز" بتزويد وزارة الطاقة اللبنانية بنتائج العمل الذي بدأته منذ شهر آب 2023. فما كان من وزير الطاقة والمياه وليد فياض إلا أن طلب ذلك من الشركة الفرنسية التي يفترض بها تقديمه رسمياً في منتصف نيسان الجاري "بعد أن تأخر ربما لأسباب سياسية وظروف البلاد"، مطالباً إياها بالتزام موجباتها حسب تصريحات صحافية. وفي وقت سابق، أعلن فياض، على هامش مؤتمر "كوب-28" في الإمارات العربية المتحدة في الثاني من أكتوبر 2023، أن "من الواضح أنه لم يحصل استكشاف تجاري في البلوك رقم 9، ونحن ننتظر من توتال إكمال استكشافاتهم".
الغاز ضحية التصعيد
هناك اعتقاد سائد اليوم في لبنان أنه لا يمكن أن تنتقل البلاد إلى مصاف الدول النفطية، إلا في إطار التسويات الدولية، وجو من الاستقرار.
وشدد الباحث النفطي غازي محمود على التأثيرات المباشرة لعملية "طوفان الأقصى" في المشهد العام في المنطقة بأسرها، بما في ذلك ملف الغاز والنفط في لبنان "بدأت توتال العمل في البلوك رقم 9 ضمن بئر قانا بالاتفاق مع وزارة الطاقة، واستمرت العملية لغاية الأسبوع الأول من طوفان الأقصى، قبل أن تتوقف"، مضيفاً "هذه ليست المرة الأولى التي تتوقف الشركة بصورة مفاجئة عن أعمال التنقيب من دون تنسيق مع الدولة اللبنانية، فقد سبق لها أن توقفت عن العمل في الحقل رقم 4 المقابل لجبل لبنان، وأطلق أعماله الرئيس ميشال عون في أجواء احتفالية، ولكن سرعان ما تراجعت الشركة عندما بلغت مستوى 3900 متر، خلافاً للاتفاق الذي يشير إلى الاستمرار في الحفر إلى حين الوصول إلى عمق 4200 متر. وهذا الأمر تتكرر في قانا عند المستوى نفسه فيما الاتفاق المتصل بالبلوك 9 يشير إلى 4400 متر بذريعة وجود بئر نفطية جافة".
وتخوف محمود من وجود ضغوط جيوسياسية على الشركة الفرنسية للتوقف عن التنقيب، و"تهرب الشركة من تسليم التقرير قد يكون سببه إخفاء الحقيقة الكاملة"، معبراً عن يقينه بوجود كميات واعدة في الإقليم اللبناني لأنه "من غير المعقول وجود كميات هائلة في الحقل الملاصق، وخلوه من الجانب اللبناني"، ناهيك بنتائج المسح الزلزالي الأميركي (هيئة المسح الجيولوجي) للجانب الشرقي للبحر المتوسط الذي قدر وجود كميات هائلة قرابة 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، والسوائل بنحو 1.7 مليار برميل، والاكتشافات في مختلف الدول المطلة من قبرص واليونان ومصر وفلسطين. ولا يستبعد أن يكون العبء المالي سبباً إضافياً في تردد الشركة في الاستثمار وسط ظروف متوترة وعدم الاستقرار الأمني والتشريعي في لبنان، إذ تبلغ كلفة حفر البئر الواحدة 130 مليون دولار.
عيوب في التفاوض
ونبه محمود إلى مجموعة من العيوب التي اعترت العمل التفاوضي من الجانب اللبناني. وقال "على صعيد العقد هناك خلل، لأنه عندما نكون أمام بلوك يستكشف للمرة الأولى، فإن الدولة تتعاقد مع الشركة الملتزمة الحفر في ثلاث آبار في نقاط مختلفة ومتباعدة، لا في نقطة واحدة، لأن احتمال الاستكشاف هو واحد من أصل خمسة". ورداً على سؤال يتعلق بدور باقي مكونات الائتلاف في أعمال التنقيب في حال التلكؤ، أجاب "يرجح أن تكون شركة توتال هي الجانب المشغل في المياه الإقليمية اللبنانية، من ثم لا يمكن فصل دورها عن الإطار السياسي والتوازن العام".
ولفت العميد المتقاعد غازي محمود إلى "محاولة مفاوضات الترسيم البحري الوصول إلى ربط النزاع الذي نسفته حرب غزة ووحدة الساحات لأنه لا وجود لازدهار اقتصادي بعيداً من الحل السياسي للنزاع في المنطقة"، مطالباً الدولة اللبنانية بنشر النص الرسمي لاتفاق الترسيم "الذي ما زال يتضمن بنوداً مجهولة من عامة المواطنين، وتحديداً في ما يتصل بتعويض الطرف الإسرائيلي في حال وجود حقل مشترك مع لبنان على أن تتولى ذلك شركة توتال إنرجيز".
حلم نفطي قديم
منذ عهد الاستقلال يراود لبنان الحلم النفطي، إذ بدأ أول أعمال التنقيب في عام 1947، واستمرت المحاولات لغاية 1967 حيث حفرت سبع آبار، وتجددت المحاولات عام 1993 عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.
وأشار الباحث في المجال النفطي محمود إلى "ضرورة أن تكون الكميات المكتشفة تجارية، لكي نصبح دولة نفطية، لأن اكتشاف بئر لا يعني ذلك. ففي بعض الأحيان تكون كلفة الاستخراج أكبر بكثير من قيمتها، ويحتاج إلى نحو سبع سنوات من أجل تطوير الحقول والانتقال إلى مرحلة الإنتاج"، مستدركاً أن "لبنان يمتلك كميات تجارية كبيرة جداً، وهذا الأمر تحسمه المسوح الجيولوجية المشجعة في شرق البحر المتوسط والتي تبعث على التفاؤل"، إضافة إلى "الكميات المكتشفة والمستخرجة من حقل كاريش الذي يبعد خمسة كيلومترات فقط عن حقولنا الحاضرة، علماً أنه وفق الخط 29 فإن لبنان يمتلك نصف هذا الحقل".
سلعة استراتيجية
كما أنه لا يمكن قراءة ملف التنقيب عن الغاز في لبنان بصورة مستقلة عن المشهد النفطي الدولي العام.
ولا يستبعد المتخصص الاقتصادي جاسم عجاقة وجود خلافات بين لبنان والشركة المستكشفة، ولكن ثمة ضرورة للابتعاد عن المقاربة التبسيطية للأمور التي تضع الملف حصراً في شقه التقني وتقرير الشركة، منطلقاً من أن "النفط هو سلعة استراتيجية خاضعة لعوامل خارجية، وللتوازنات الجيواستراتيجية بين القوى العظمى، ولا يمكن فصلها عن السياسة، فلا تستطيع أية دولة أن تستقل بقرارها في استخدام النفط كما تشاء". من ثم فهو لا يرى حلاً باستبعاد شركة واستبدال أخرى بها، لأن السبب يتعلق بموقع النفط ضمن الإجماع الدولي العام والأعراف التي تضبط السوق، متسائلاً "لنفترض أن شركة ما جاءت واستخرجت الغاز، لمن سيبيعه لبنان خارج نطاق التسويات الدولية؟ وما الضمانة بألا تتعرض ناقلات النفط والمنشآت لهجمات إسرائيلية كما فعلت خلال حرب تموز 2006 عندما قصفت منشآت النفط في الجية (جنوب)؟".
أضاف عجاقة "لا يمتلك لبنان القدرة لاستثمار النفط في ظل الظروف السياسية والأمنية الحاضرة، من ثم لا بد من الانتظار ريثما تتأمن الضمانات لحماية الاستثمارات والمنشآت، ذلك أن تحميل الشركة وحدها المسؤوليات هو أمر غير منصف لأنها قد تتحمل خسائر هائلة في حال اندلاع أي نزاع عسكري بسبب حالة العداء القائمة"، منوهاً بأن "الإسرائيلي بدأ باستخراج الغاز قبل التسوية مع لبنان بفترة معقولة، لأنهم يرتبطون باتفاقات دولية للتوريد"، ولذلك "لا بد أن يدخل لبنان ضمن التوازنات العالمية، وتوزيع الحصص بدقة، لأنه لا يمكن للدولة أن تجتهد، وتقرر: أريد أن أبيع هذه الجهة أو تلك".
وتحدث عجاقة عن مزايا الثروة النفطية، "فهي لا تستنفد سريعاً. وإن منع لبنان من استخراجها راهناً، وتركت إسرائيل تقوم بذلك. فالثروة يمكن أن تبقى، فرصة استثمارها سانحة لعشرات السنين المقبلة لأن التوقعات تتحدث عن كميات هائلة في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان"، في المقابل، لا يستبعد "ربط ملف النفط والغاز بتسويات إقليمية أو دولية".
ضرورات انتخابية
وذكر عجاقة بـ"انسحاب توتال مباشرة من إيران في أعقاب فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عقوبات اقتصادية، وتركها مليار دولار هناك"، و"الأمر نفسه ينطبق على فنزويلا التي لا يمكنها بيع نفطها، ووصل الدولار الواحد ليساوي 21 مليار بوليفار"، مشيراً إلى "غض نظر الإدارة الأميركية في عهد جو بايدن على تصدير إيران النفط حاضراً لضرورات الانتخابات الرئاسية لكي لا ترتفع الأسعار إلى مستويات مرتفعة لا يمكن تحملها من المستهلك هناك".