المصدر: النهار
الكاتب: عبدالوهاب بدرخان
الأربعاء 3 كانون الاول 2025 07:57:22
كان جلوس رؤساء الطوائف الـ 18 معاً مشهداً معبّراً عن حقيقة لبنان، وبدا حضور الحبر الأعظم مناسبة تستحق هذا الجمع الاستثنائي، مثلما استحقت أكثر تلك الحشود في الاستقبال تحت المطر، ثم في بكركي والواجهة البحرية. حبذا لو أن إظهار حقيقة هذا التنوّع ينعكس أيضاً على واقع سلمي لتجسّد الخيمة وشجرتها الافتراضية ما أوحتا به من مساواةٍ واختلاف. وما إلحاح البابا لاوون على "السلام" في كل مداخلاته سوى تأكيد لما هو مُفتَقَد في البلد، أما اجتهادات مضيفيه لاستحضار شهادات من تاريخهم وتراثهم لإثبات مساهمتهم في السلام فكانت صادقةً عموماً، مع استثناءٍ واحدٍ يدّعي السعي إلى الوئام لتمويه دوره في الانقسام.
مع كل محطة للبابا في لبنان كان الفرح مشوباً بغصّة أن زيارته سريعةٌ ومختصرة، بمعنى أن "هدنة البابا" قصيرة جداً، فمغادرة طائرته أمس أعادت إطلاق العدّ العكسي للتهديدات التي تتوعّد لبنان بأيام صعبة.
كلّ من زار بيروت في الأسابيع الأخيرة أكّد لها المؤكّد من نيات العدو الإسرائيلي وخططه، فلبنان هو ساحة الفصل المقبل من المواجهة مع إيران باستهداف ميليشيا "حزبها" وتدمير أسلحتها وبناها التحتية، ولا يخفي الإسرائيليون أنهم قد يستهدفون أيضاً مؤسسات حكومية لمعاقبة الدولة على ترددها في نزع سلاح "الحزب". ثمة اختبار يلتقي عنده العدو مع إيران و"الحزب"، وهو الضغط على الجيش اللبناني واستفزازه. أما الصمت الأميركي المشتبه فيه فلا معنى له سوى تزكية المواجهة ليبني خطواته التالية على نتائجها. وهكذا، ففي اجتماع العدو والوسيط والممانع و"حزبه"، وفي انكفاء الأصدقاء القلائل وعجزهم، تواجه الدولة الإخفاق وتتقطّع بها السبل.
لم يغبْ السؤال: ترى هل يمكن البابا أن يجنّب لبنان ما هو آت من شرور؟ ولمَ لا يطالب ما يسمّى المجتمع الدولي بالتدخل لمنع الحرب المستأنفة؟ الجواب معروف ومزمن: لا أحد يستطيع مساعدة مَن أثبت أنه لا يساعد نفسه. فـ"المتدخّلون" بالنصح يصطدمون بأن الأمر الواقع الداخلي والإقليمي أقوى من حججهم. و"المتدخّلون" بالإنذارات والمهل الزمنية لم يعودوا يلبسون قفازات ديبلوماسية، بل يعبّرون بوضوح عن "حاجتهم" إلى الحرب لتغيير الواقع. بلغ الأمر حدّ القول إن "الجيش اللبناني استثمار أميركي غير جيّد" (ليندسي غراهام)، والقول إن "وجود حزب الله أكثر ضرورة للبنان من الخبز" (مستشار المرشد الإيراني). كلاهما، عملياً، ضد الدولة والجيش.
أدركت إيران و"حزبها" الآن أن مغامراتهما ذهبت بعيداً في تعريض الطائفة الشيعية للخطر، ولا يزالان مصرّين على المجازفة بها واستخدامها درعاً في معركة الحفاظ على السلاح وادعاء أن الدولة غير قادرة على ضمان أمنها، والمقصود تحديداً ضمان استمرار "الحزب" في ترهيبها والتحكّم فيها، لأن وجودها في النسيج اللبناني ليس مهدداً، أما التهديد الأكبر لها فله مصدران: سلاح "الحزب" والعدو الإسرائيلي. ما يمكن أن ينقذها اليوم قبل الغد أن يبادر "الحزب" إلى تسليم سلاحه إلى الدولة بلا شروط، كما فعلت ميليشيات أخرى قبله. أما التعويل على خيارات أخرى- حرب بلا نهاية أو "إنقاذ إيراني" أو "حرب أهلية" أو المراهنة على انقسام الجيش أو انتزاع مكاسب في تركيبة النظام- فيعلم "الحزب" يقيناً أنه أصبح بلا جدوى.