المصدر: المدن
الكاتب: عزة حاج حسن
السبت 6 أيار 2023 21:23:11
بين قرارات الحكومة غير القانونية وتعاميم مصرف لبنان، ثمة محاولات خبيثة لذر الرماد في عيون العملاء والمودعين وعموم اللبنانيين لإيهامهم بالسعي إلى تنظيم عمليات التداول النقدي محلياً وعبر الحدود والتخفيف من عبء التداول بالنقد. لكن، في حقيقة الأمر، يبدو أن السلطتين السياسية والنقدية عازمتان على اتخاذ القرارات "المفخّخة" لتحقيق مكاسب لصالح "ائتلاف" المصارف على حساب المودعين الحاليين وربما أيضاً على حساب المودعين الجدد.
قرار حكومي وتعميم مصرفي
قرار حكومي وتعميم مصرفي تم تمريرهما خلسة منذ اسابيع قليلة، في محاولة من السلطة لتعويض ما فاتها في الكابيتال كونترول الذي لم يتم إقراره على قياس مصالحها ومصلحة المصارف. جوبه قرار الحكومة باعتراضات كما تعميم مصرف لبنان لكن في المحصلة لا بد من الربط بين الأمرين لاستيضاح النوايا الكامنة وراء إقرارهما.
قرار الحكومة المذكور هو الصادر بتاريخ 18-4-2023 والقاضي بطلب مجلس الوزراء من المصرف المركزي، اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة، لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحباً او تحويلاً)، وفقاً للتعاميم ذات الصلة وإلّا التعامل بشكل يساوي في ما بينهم، وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى، أو على اي إلتزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه او مصدره، والإستمرار بمنح عملائها حرية التصرف بالأموال الجديدة (Fresh).
أما تعميم مصرف لبنان المقصود، فهو التعميم رقم 165 الصادر بتاريخ 19 نيسان 2023 ويتعلق بعمليات التسوية الإلكترونية العائدة لـ"الأموال النقدية". يدخل التعميم حيز التنفيذ في شهر حزيران المقبل ويُسمح بموجبه بتسوية الشيكات المصرفية وإجراء المعاملات النقدية عبر مصرف لبنان من دون الحاجة الى المرور بالمصارف الاجنبية المراسلة.
القرار بديلاً عن كابيتال كونترول؟
لا يختلف اثنان على أن قرار الحكومة جاء متلائماً مع صيغة قانون الكابيتال كونترول لجهة تقييد الودائع وتأمين الغطاء القانوني للمصارف لعدم الإمتثال للأحكام القضائية القاضية بسداد بعض الودائع. بمعنى أنه بناء على القرار بات بإمكان المصرف التخلف عن تنفيذ أي حكم قضائي بسداد وديعة لكونه يشكل خروجاً عن قاعدة التعامل بالمساواة بين المودعين بحسب قرار الحكومة.
وإذا كانت الحكومة بقرارها هذا تحاول تأمين الغطاء للمصارف وإحكام سيطرتها على الودائع فإنها لن تنجو بفعلتها، فالقرار الذي صدر عن مجلس الوزراء تقنياً لا يتفوق على القوانين اي انه لا يجوز للسلطة التنفيذية اتخاذ قرارات مخالفة للقانون، وبحسب الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك، فالقرار قابل للطعن امام مجلس شورى الدولة لتجاوز حد السلطة.
وفي حال لم يحصل الإبطال للقرار، على ما تقول الكيك لـ"المدن" فإنه في حال تم التقدم به للمحكمة ووضع في مقابله نصاً قانونياً فإنه لا يتفوق عليه ولا يلغيه ولا يلغي التشريعات ولا يتخطى القانون ولا يعدّل النصوص. باختصار لا أهمية له.
ولأن قرار الحكومة جاء مخالفاً، تتجه لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت إلى التقدّم بالطعن به ما لم يتراجع مجلس الوزراء عنه. وقد أكد رئيس اللجنة المحامي كريم ضاهر في حديث إلى "المدن" أن اللجنة ستقوم بداية بتوجيه كتاب إلى رئيس مجلس الوزراء تطلب فيه التراجع عن القرار الذي هو بمثابة كابيتال كونترول مقنع "وفي حال لم يتم التراجع عنه فاللجنة ذاهبة إلى الطعن به".
خطر استمرار القرار
من حيث المضمون، جاء قرار الحكومة بمثابة تعهّد لصالح جمعية المصارف كي يكون بين يديها ما يسمح لها بعدم القيام بتحويلات مالية الى الخارج تنفيذاً لأحكام ودعاوى قضائية، لكن هذا الموضوع سيكون له ارتدادات كبيرة. وتوضح الكيك أنه "إذا كانت الحكومة قد قامت به إرضاء لجمعية المصارف فإنها بذلك تعرض ما تبقى من ثقة بلبنان من قبل المجتمع الدولي للخطر وتضرب تالياً مسماراً جديداً في نعش مصداقية لبنان والمصارف خصوصاً تجاه الخارج، كما يقوضون احترامهم للاتفاقيات القضائية الدولية التي تلزم لبنان بتنفيذ الاحكام القضائية الصادرة خارج لبنان والاخير ملتزم بها".
ببساطة تحاول الحكومة من خلال القرار اعطاء المصداقية والشرعية لمصرف لبنان من خلال التأكيد على تعاميمه وهنا تسأل الكيك، "كل الحكومات من بداية الازمة قالت انها لا تمتلك الصلاحيات لإجراء كابيتال كونترول، من اين استمدوا صلاحيتهم باقرار كابيتال كونترول؟
وبرأي الكيك ليس لقرار الحكومة أي مفعول فعلي، فالحكومة لا تصدق على تعاميم مصرف لبنان لأن التعاميم لها حدود معينة، والحكومة لا تعطيه لا شرعية ولا مصداقية أما القرار فلا يضفي صفة المشروعية على قرار اداري مخالف او فيه تجاوز لحد السلطة.
هل يتم الطعن بالتعميم 165؟
يصر البعض على أن تعميم مصرف لبنان رقم 165 يستهدف تنظيم الاموال الجديدة أي fresh Money التي كان يتم تداولها خارج مصرف لبنان، لتصبح عبر مقاصة في المركزي، وبالتالي يتم التخفيف من اقتصاد "الكاش" الذي يضع لبنان تحت شبهات دولية لجهة تبييض الأموال.
لكن في المقابل ثمة مَن يحذّر من أن التعميم 165 يعرض أموال الفريش دولار للخطر فتعامل المصارف مباشرة بالدولار مع مصرف لبنان يعرّض تلك الأموال لخطر الإنفاق كسابقاتها من الأموال المودعة لديه كالإحتياطي النقدي.
مخاطر أخرى يحذّر منها كثر ترتبط بالتعميم 165 تتمثل بخطورة تسهيل التعميم لعمليات تبييض الأموال وإخراج لبنان من النظام المالي العالمي لاسيما ان التعميم لا يتضمن آلية مراقبة مصادر الاموال التي يتم التداول بها.
من هنا كانت لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت متجهة إلى الطعن بالتعميم، لكن بعد الإستيضاح من مصرف لبنان على ما يقول ضاهر، تم التأكيد على ان الهدف من التعميم 165 ليس التمييز بين الودائع القديمة والجديدة ولا تحفيز تبييض الاموال انما لتجنيب وضع لبنان على اللائحة السوداء لمجموعة العمل المالي "فاتف" والحؤول دون الاستمرار بالعمل ب"الكاش ايكونومي" ما يعني أن مصرف لبنان يحاول تصويب التعاملات.
ويؤكد ضاهر أن اللجنة ستطلب تصريحاً خطياً من مصرف لبنان يؤكد فيه ما تم توضيحه شفهياً ويقول: سنقوم بتوجيه كتاب خطي لمصرف لبنان نورد فيه كل المخالفات التي يرتبها التعميم 165 لجهة مخالفة الدستور وتجاوز حد السلطة. فمصرف لبنان لا يحق له بالتمييز بين الودائع ولا اتخاذ قرارات تنظيمية بهذه الطريقة وعليه سنطلب من مصرف لبنان التعهد الخطي بذلك وهو ما يثبت عدم مشروعية كل التعاميم السابقة التي كانت تميز بين الودائع ويثبت ايضاً ان الهدف الحصري والوحيد من التعميم 165 هو تجنيب لبنان وضعه على اللائحة السوداء. وفي حال لم يلتزم مصرف لينان في مهلة زمنية قصيرة فإننا ذاهبون الى الطعن وقد حضرناه، يؤكد ضاهر.
بالمحصلة تقف الحكومة ومصرف لبنان امام خيارين إما التراجع عن القرار والتعهد الخطي في ما خص التعميم أو أن الطعن سيطال الاثنين معاً.