بين نجاح ميّاس وفشل المنظومة الفاسدة

كتب صلاح سلام في اللواء:

لبنان أمام مشهدين متناقضين ومتباعدين: الأول يُحلّق في عالم الإبداع والجمال والفن والنجاح والتفوق على المستوى العالمي. والثاني يتخبط في دوامة من الأزمات والإنهيارات المدمرة، جعلت لبنان في المرتبة الثالثة على لائحة الدول الأكثر تعاسة في العالم.

المشهد الأول كرسته مجموعة من الشباب والصبايا في فرقة «ميّاس» التي إخترقت الفضاء العالمي بعروضها الإبداعية التي أبهرت الملايين، وفازت بالمركز الأول في برنامج «البحث عن المواهب» America's got talent الأشهر في العالم، وأظهرت الوجه الحضاري والثقافي المميز لبلد لطالما كان واحة الحريات الفكرية والفنية والثقافية والسياسية في هذا الشرق.

المشهد الثاني تتصدره منظومة سياسية فاشلة وفاسدة، قوّضت مقومات الدولة وأوصلتها إلى الإفلاس، وتسلطت على أموال المودعين في المصارف، وأسقطت الأكثرية الساحقة من اللبنانيين إلى خط الفقر، يعيشون في جهنم سلطة تتماهى بالعتمة وغياب الكهرباء، ولا تخجل من عجزها على حماية حقوق مواطنيها وضمان حصولهم على أموالهم المحتجزة في البنوك، ولا تستحي من فشلها في تأمين الدواء والرغيف والمياه لشعبها، وتتجاهل مصير مئات الألوف من طلاب المدارس والجامعات، بعدما أهملت مطالب الأساتذة والمعلمين المحقة.

الفوز العالمي الباهر لفرقة «مياس» في أميركا أكد أن الفرد اللبناني قادر على مواجهة التحديات، والتغلب على الصعوبات، وتحقيق الإنتصارات، بقدر ما أظهرت الطبقة السياسية، الموسومة بأبشع صفات العجز والفشل والفساد، عدم قدرتها على إدارة الأزمات، ووضع البلاد على طريق الإصلاح والإنقاذ، وعدم النجاح في إستعادة ثقة الداخل والخارج في إعتماد الشفافية والحوكمة سبيلاً للخروج من مستنقعات الفساد، وصياغة خطة التعافي الإقتصادي على قواعد راسخة من المصداقية، بعيداً عن أساليب الغموض والهروب إلى الأمام.

لقد كان اللبنانيون بأمسّ الحاجة لظاهرة إيجابية مثل فرقة «ميّاس»، بكل ما تحمله من معاني البهجة والفرح والجمال والثقة بالنفس، في زمن تكاثرت فيه المحن والكوارث الإجتماعية في حياتهم اليومية، التي وصفها أهل الحكم أنفسهم بجهنم، وجلسوا على كراسيِّهم يتفرجون على مآسي هذا الشعب المنكوب، ويتلهون بخلافاتهم الأنانية والسخيفة على صفقة من هنا، أو على حقيبة وزارية من هناك، وجاءت هزالة النقاشات النيابية في جلسة الموازنة أمس لتكشف ما تبقى من أقنعة مزيفة على وجوه السياسيين الإنتهازيين!