تجارة الخطف بين سوريا ولبنان: عصابة شجاع العلي مثالاً

منذ عدّة أيام والشارع السّوريّ، يموج توجسًا وحنقًا إزاء مشاهد التعذيب الوحشيّة الّتي تعرضت لها الشابة السّوريّة العشرينيّة "كريستينا إبراهيم حسن" (21 عامًا، من أهالي قرية بيت المرج بريف صافيتا- محافظة طرطوس)، بعدما جرى اختطافها في دمشق على يدّ عصابة مجهولة الهويّة (حسب ما أوردت صحيفة "الوطن" الموالية لنظام الأسد)، منذ نحو عشرة أيام، ليتمّ التواصل مع ذويها وابتزازهم معنويًّا بصور ابنتهم وهي تتعرض للتعذيب، وماديًّا بتهديدهم بقتلها وبيع أعضائها إذا لم يدفعوا مبلغ 60 ألف دولار للإفراج عنها. فيما تلقى ذوي شاب آخر من محافظة دمشق اتصالاً من أفراد عصابة خطف، تطالبهم بدفع فدية مالية قدرها 25 ألف دولار أميركي مقابل إطلاق سراح ابنهم.

هذان الخبران، قد يبدوان للوهلة الأولى، أخبارًا سوريّة بامتياز، لكنهما يحملان في تفاصيلهما وقائع ودلالات من شأنها أن تؤرق الشارعين اللّبنانيّ والسّوريّ على حدٍّ سواء، خصوصًا بظهور ادعاءات جديدة، تتهم عصابة المدعو شجاع العلي بجرم خطف كريستينا وغيرها العشرات من المواطنين القاطنين في سوريا، واللاجئين السّوريّين القاطنين في لبنان، خلال شهر تموز وحده، وذلك عند الحدود اللّبنانيّة السّوريّة وعلى مقلبيها؛ حيث يُنقل المخطوفون لاحقًا إلى مناطق القصير بريف حمص، بإشرافٍ و/أو بمعرفة من قوات نظام الأسد وحلفائه في لبنان من عشائر وحزب الله -وفق ما يُشاع- وآخرها عائلة تتحدر من محافظة درعا (خديجة الفلاحة وثلاثة من أبنائها)، أثناء محاولتها اجتياز الحدود السّوريّة للدخول إلى لبنان، قرب منطقة وادي خالد. وعلمت "المدن" أن العائلة هذه سبق وتمّ ترحيلها قسريًّا خلال الحملة الأمنيّة الأخيرة.

 

وانتقلت شكاوى السكّان في مناطق سيطرة النظام، من كونها شكاوى عابرة ضد تزايد حالات الخطف والسلب، إلى مشاهد احتجاجيّة تصعيديّة (راجع "المدن")، لمطالبة النظام بوضع حدّ للعصابة المدعومة من الفرقة الرابعة الّتي يقودها ماهر الأسد، والّتي روعت السكّان على مقلبي الحدود، وانتشر نفوذها بالتحالفات مع عصابات وقوى خارجة عن القانون مثلها.

خطف على مقلبي الحدود اللّبنانيّة- السّوريّة

وأكدت مصادر "المدن" الميدانيّة في حمص أن الوضع الأمنيّ قد تدهور بشكلٍ كبير في المنطقة، مع تكرار حالات الخطف في ريف حمص الغربي، ومن بينها اختطاف ثلاثة شبان هم محمد دالي، وعبد الرحمن الحاج علي، وخالد حيدر، حيث بثّ الخاطفون مشاهد تعذيب لهم وطلب فديات ضخمة للإفراج عنهم. وقد ازدادت حوادث الخطف لأشخاص كانوا في طريقهم إلى لبنان، حيث تكرّرت عمليات الاختطاف في منطقة "القصير" المحاذية للحدود اللّبنانيّة، إضافة إلى ما ذكرناه عن عشرات حالات الخطف في ريف حمص مقابل الفدية. في وقتٍ تزعم فيه وزارة الداخليّة التابعة لنظام الأسد، أنّها تتابع هذه القضايا وتحاول الإفراج عن الضحايا.

وعلمت "المدن" من مصادرٍ أمنيّة ميدانيّة، أن حوادث الخطف مقابل الفدية والسلب والقتل على الحدود اللّبنانيّة- السّوريّة، قد وصلت أوّجها في الأسابيع الأخيرة. وفي حين وجهت الاتهامات للفرقة الرابعة بالتواطؤ مع عصابة شجاع العلي، في خطف السّوريّين من ناحية المقلب السّوريّ، وُجهت الاتهامات للعشائر البقاعيّة  المدعومة بنفوذٍ سياسيّ لبنانيّ من الناحية اللّبنانيّة الّتي تُدير وتُشرف على أعمال العصابة في الداخل اللّبنانيّ. خصوصًا أن الطرفين يتشاركان طرفيّ الحدود ويستثمرانه في اقتصاد التهريب، ويَسَرا التفلت الحدوديّ الحاصل في المنطقة الحدوديّة الممتدة من أقصى البقاع الأوسط لأقصى البقاع الشماليّ، وما يحدوها من تشعبات. وقد حظي هذا الوضع بشبه تزكيّة شعبيّة، واستفادت منه العشائر، التّي قامت بدورها بإنشاء العديد من المعابر وخصوصًا في جرود الهرمل والقصر اللّبنانيّة والقاع وحوش السّيد علي، والتّي أُطلق عليها أسماء مثل "معبر زعيتر" و"معبر جعفر".. وغيرها. والّتي يتمّ نقل المخطوفين من اللاجئين عبرها.

وقد تواصلت "المدن" مع عددٍ من المصادر الأمنيّة في مديريّة الجيش اللّبنانيّ، لمساءلتها عن دورها في وضع حدّ لهذا التفلت الحاصل على الحدود، وخصوصًا أن جرائم خطف تُقام عند الحدود اللّبنانيّة، وسبق وقُدمت هبة أوروبيّة خاصة للبنان لتدارك هذا الوضع، فكانت الإجابة الرسميّة، أن لبنان يعمل على وضع حدّ لهذا التفلت، وقدمت أمثلة على إحباط محاولات التسلّل السّوريّ، فيما تحفظت المصادر عن الإجابة بما يرتبط بموضوع المعابر غير الشرعيّة وجرائم الخطف الّتي تحصل فيها.

ظاهرة الخطف

وهذه الظاهرة المُستجدّة حاليًا، تُشير التقارير الحقوقيّة أن تاريخها يعود لبداية الاحتجاجات المدنيّة في سوريا عام 2011 وانتقالها من الطور السّلمي إلى الطور المُسلح عام 2012. وبتأثر المشهد اللبناني بالتأزم السّياسيّ/ الأمنيّ في سوريا، وما لحقه من مواجهات أمنيّة بين أطراف موالية لحكومة النظام السّوريّ والأطراف المناهضة له داخل لبنان، جرى خلالها اختطاف عشرات اللاجئين السوريين كنوعٍ من الثأر لاختطاف أو اختفاء لبنانيين في سوريا. وكانت موجة الاختطافات تلك تستند إلى دوافع طائفية، من دون أن تُحرك السّلطات اللبنانية ساكنًا. وقد تمت تغطية هذه الحالات إعلاميًا، محليًا ودوليًا. وفيما صمتت الدولة وتجاهلت الجناة ولم تلاحقهم وسمحت لهم بالإفلات من العقاب، وصل الأمر حدّ تفاقم ظاهرة الخطف لتصير مصدرًا لمراكمة الثروات عند المُهربين وعصابات الاختطاف، التّي تستهدف مدنيين من اللاجئين وتُطالب أهاليهم دفع فدية مقابل إطلاق سراح ذويهم.

وازدادت بحكم الحركة المستجدّة للاجئين الذين يحاولون العودة إلى لبنان بعد ترحيلهم منه خلال الحملة الأمنيّة الأخيرة (راجع "المدن")، لتتعرض شريحة واسعة من الحالات المُرحلة إلى خطر الاختطاف من قبل تجار البشر من المهربين. كما تترك السّلطات اللبنانية بعض اللاجئين الذين تمّ ترحيلهم قسرًا بطريقة عشوائية عبر معبر "المصنع" الحدوديّ في نقطة ما بعد الحدود اللبنانية وبالقرب من الحدود السّوريّة، ما يزيد من تعرّضهم للخطر والابتزاز المالي من قبل عصابات الاختطاف.

عصابة شجاع العلي: بُعد آخر للخطف وغياب الحسّ الأمنيّ

أما العصابة الخاطفة، فلها سجل طويل في العمل الإجراميّ، حسب ما أشارت مصادر "المدن"، وذاع صيتها في السنوات الأخيرة، بسبب تورطها في عمليات خطف الأفراد، خصوصاً المقتدرين ماديًّا، ما أصبح مصدر دخل لها بمئات الآلاف من الدولارات شهريًا. وتلفت "المصادر السّوريّة" إلى أن هذا النجاح الماليّ أثار اهتمام رؤساء الأفرع الأمنية الفاسدين، الذين أصبحوا أكبر داعم وغطاء أمنيّ لعصابات شجاع العلي النشطة في ريف حمص الغربي.