تجريم التحرّش الجنسي حبر على ورق.. الأطفال والقصّر في مهبّ قانون عقوبات فضفاض

يعتبر العلاج النفسي والاجتماعي أمرا ضروريا، لا بل إلزاميا للأطفال الذين تعرضوا للتحرش أو الاغتصاب، حيث يمكن أن يساعدهم على استعادة الشعور بالأمان والراحة، بمشاركة تجاربهم ومشاعرهم دون خوف من الحكم أو الانتقاد. لان المداواة توطّد التعافي النفسي للضحايا، وتؤازرهم في التغلب على الصدمة والضغط النفسي، الذي قد ينتج من عمل منحط.


القانون حبر على ورق!

منذ سنوات تم إقرار قانون "تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه" الرقم 205/2020 في لبنان، الذي عرّف في مادته الأولى التحرّش الجنسي على أنه "أي سلوك سيئ متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحيّة في أي مكانٍ وُجِدَت، عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تمّ التحرّش، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية".

 لكن على الرغم من ذلك، لم يلحظ القانون التنوع الثقافي في المجتمع اللبناني من حيث تحديد نوع التحرّش، وتمييز تصرف ما على أنه كذلك، لان ما يعتبر تحرشا في مجتمع ما، لا يتخطى كونه سلوكا لطيفا ومحببا في بيئة اخرى.  والسؤال الذي يطرح نفسه متى يمكن إعادة النظر بقانون العقوبات والاقتصاص من المجرم بشكل عادل؟

دعم المحيط اساسي

يرى الاختصاصيون النفسيون ان العلاج يوفر للأطفال المعرفة والتثقيف حول مفهوم الحدود الشخصية وحقوقهم، وكيفية الحماية من الاعتداءات المحتملة، وبالتالي بناء الثقة بأنفسهم وتنمية قدراتهم على طريقة التعامل مع الصعوبات، ومجابهة العواقب الاجتماعية والعائلية للتحرش أو الاغتصاب.

بالموازاة، أوضحت الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين لـ "الديار" ان "دور المؤسسات الاجتماعية في دعم الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية، يمكن أن يكون حاسما لتعافيهم ورفع مستوى حمايتهم، وذلك يكون من خلال:

 

1- العائلة: يجب على الأهل توفير العناية والاهتمام للطفل، والاستماع إليه بفهم وتقديم الدعم العاطفي اللازم، وتوجيهه للحصول على المساعدة الاحترافية عند الحاجة.


2- المجتمع: يساهم في تعزيز ثقافة الوقاية من الاستغلال الجسدي ، وبناء بيئة آمنة وداعمة للصغار، وباستطاعته تقديم الموارد والخدمات اللازمة للضحايا وعائلاتهم.

3- المدرسة: تلعب دورا مهما في تأمين محيط آمن لهؤلاء، وبالتالي ترسيخ الوعي بقضايا التحرش والاغتصاب، واعطاء الدعم اللازم للضحايا من خلال الاستشاريين المدرسيين.

4- المؤسسات الرسمية الرعائية: تشمل الأجهزة الامنية، والنيابة العامة، والمحاكم، والمراكز الصحية، ووزارة الشؤون الاجتماعية وحماية الاحداث. وهذه الجهات ملزمة بنصرة وحماية الأطفال المعرضين للتحرش أو الاغتصاب، وضمان العدالة والرعاية الطبية والنفسية اللازمة للمستهدفين.

"الإنترنت" خطر!

من جهتها، قالت الاختصاصية النفسية غنوة يونس لـ "الديار" ان "الجريمة التي ارتكبت مؤخرا بحق الأطفال اللبنانيين جدا مؤلمة وصادمة، وتعد من بين أخطر الجرائم التي قد يتعرض لها طفل قاصر او غير راشد، مما يجعل من الضروري الوقوف بحزم لتحصين أطفالنا من المجرمين أمثال عصابة التيكتوكرز".
 
وأوضحت: "يواجه الأطفال والمراهقون اليوم العديد من المخاطر والتهديدات خلف شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية، وبالتالي لا يجب ان نطمئن لمجرد وجودهم في المنزل أمام اعيننا، وعلينا أن نفهم مدى ضراوة عالم التكنولوجيا. لذلك المطلوب تفعيل الرقابة الذاتية والتوعية لحمايتهم من عصابات مواقع التواصل الاجتماعي ،التي تعمل على تحيّن الفرص للإيقاع بالقصّر".

الخصائص النفسية للمغتصبين

وتطرقت الى سيكولوجية المتحرش المتمثلة بالنقاط التالية:

1- العزلة: ان المتحرش يعاني من نقص الثقة بالنفس وعدم القبول أو الرفض من قبل المجتمع، فيلجا الى التصرفات الشاذة لإثبات وجوده.

 

2- العُقد: تؤثر الاضطرابات الشخصية والجنسية لدى المتحرش والمغتصب، مثل اختلال الشخصية النرجسية أو اختلاج الشخصية الحدية او ما يعرف بال pedophilia، سلبا في تفكيره وسلوكه، وتدفعه الى الاعتقاد بان الأطفال هم أدوات لتحقيق رغباته الجنسية ،دون أي اهتمام بالآثار النفسية والجسدية لأفعاله الشاذة.

3- نقص التعاطف والانعزال: يُبدي المتحرّشون مجموعة متنوعة من الصفات، وقد تتضمّن السمات الشائعة في كثير من الأحيان سلوكاً عدوانياً أو عدائياً تجاه أهدافهم. وقد يفصحون قليلاً أو لا يظهرون أي تعاطف مع مشاعر أو رفاهية ذبائحهم ، وتتولد رغبة قوية لديهم بالسيطرة والسلطة. الى جانب ذلك، يستخدمون التلاعب والخداع أو الإكراه لتحقيق مقاصدهم، وفي بعض الحالات، قد ينصبّ المغتصب على فريسته، غالباً بمستوى هوَس غير صحّي.


يمكن أن تختلف علامات المتحرّش بشكل كبير، ولا ترتبط بالضرورة بأي مرض عقلي معيّن، كما ان الأفراد الذين يقومون بهذا الفعل ليسوا مصابين نفسياً، وقد يكون سلوكهم ناتجاً من ثلّة عوامل مختلفة، بما في ذلك القضايا الشخصية والديناميات الاجتماعية، أو نقص في فهم الحدود. ويعيش هؤلاء في حالة من الانعزال العاطفي، وفقدان قابلية التواصل الوجداني الصحيح مع الآخرين وهذا ما نفسره بالقدرة النفسية والذهنية لإيذاء طفل، فجميعنا استنكرنا وعشنا الالم مع الأطفال الذين تعرضوا للاغتصاب لمجرد سماعنا بهذه العصابة وما تقترف من جرائم جنسية، لكن السفاحين على عكس ذلك يتلذذون بألم الطريدة".


4- الهيمنة والبأس: الانجراف القوي لدى المتحرش الذي يتخذ الأطفال كوسيلة لتحقيق رغبته، حيث يعتبر ان احكام السيطرة على جسد الطفل وقوته هو إشباع لشهوته الشاذة".


5- التفاعل الاجتماعي المشوّه: هذه الفئة تفتقد الفهم السليم للعلاقات الاجتماعية الصحية، وبالتالي تميل الى التعامل بطرق غير لائقة وقبيحة مع الآخرين، مما يزيد من احتمالية ارتكابها للأفعال الضالة والدنيئة".

مؤازرة ومواساة

ونصحت يونس "الأهالي المعنيين بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لأطفالهم المتضررين، والاستماع إلى تجاربهم ومساعدتهم في التغلب على الصدمة والضغوط النفسية. وتعزيز الوعي بمخاطر التحرش والاغتصاب، وتثقيفهم حول كيفية الوقاية والتصرف في مثل هذه الحالات، وفتح قنوات الاتصال مع قصّرهم، وتشجيعهم على المشاركة والحديث عن أي تجارب سلبية قد يواجهونها على الإنترنت أو في الواقع".