تحوّل جذري مخيف سيشهده لبنان.. والعالم لم يعد يكترث

يكاد المشهد اللبناني يخلو من أي مؤشرات إيجابية، باستثناء ما يحقّقه منتخب كرة السلة، الذي يعاكس المعطيات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. أما مَن ينتظر الخلاص عن طريق المجتمع الدولي، إنما يراهن في هذه الحالة على السراب، لأن المؤشرات الدولية سلبية بدورها، وتزيدها الضغوط التي تفرزها الحرب في أوكرانيا، وصولاً إلى التهديد بأزمة غذاء عالمية غير مسبوقة. وعليه، فإن لبنان ينتظر في ضوء المتغيّرات الدولية، تحوّلاً جذرياً ينبغي على المنظومة الحاكمة الانتباه له وإدارته بأحسن أسلوب لتجنُّب الأسوأ. فحسن الإدارة لا يعني الخروج من الأزمة، وإنما عدم الذهاب نحو الاضمحلال. ولذلك، أتى السفير المكلف تنسيق المساعدات الدولية في لبنان بيار دوكان، برسالة نهائية من المجتمع الدولي، تفيد بالحفاظ على المستوى الحالي من الأزمة، لأن الخارج لم يعد يكترث بلبنان.

إدارة الإصلاحات
ينقسم المتابعون بين فريق مؤيّد للإصلاحات بالشكل الذي يطلبه صندوق النقد الدولي وبين معارض لتصويرها بأنها المدخل الصحيح لمعالجة الأزمة. لكن الخبير الاقتصادي روي بدارو، يقفز فوق هذا الجدل الثنائي ليجعل المشكلة الأساس هي غياب الحوكمة وانتشار التحاصص. وبرأيه "حتى لو أجريت الإصلاحات، فمن غير المؤكّد أن يسمح أحد بإدارتها بطريقة صحيحة". فالمناط بهم تطبيق الإصلاحات وإدارتها، هم أنفسهم المسؤولون عن الوقوع في الأزمة. وبالتالي يقول بدارو في حديث لـ"المدن"، إن لبنان "لا يحتاج إلى وصفات خارجية بل إلى إرادة تغيير داخلية، لأن الإصلاحات المطلوبة معروفة وكان من المفترض البدء بإجرائها قبل الوقوع في الأزمة. وكان من المفترض البدء بين العامين 2016-2017. فرفع السرية المصرفية كان يجب إجراؤه قبل الأزمة، وقانون الكابيتال كونترول وتوحيد سعر الصرف كان يجب اتخاذهما في الأيام الأولى للأزمة".

تحوّل جذري
الإصلاح بنظر بدارو لا يكفي، إذ "علينا الدخول في مرحلة تحوُّل وليس فقط إصلاح". وهذا التحوّل يدل عليه استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية "فإما أن تتفق القوى السياسية على رمزية انتخاب رئيس جديد يمثّل انتقال لبنان إلى مرحلة أفضل، وإما البقاء في الزاوية نفسها. وأمل حصول هذا التحوّل لا يتخطّى الـ10 بالمئة". ويتمسّك بدارو بوجهة نظره التي تنطلق من السياسة، لأن "أزمتنا الاقتصادية هي نتيجة لما سبقها من سوء إدارة في الحكم".
وعدم الاتفاق على التحوّل الداخلي "يعني أولاً أننا ذاهبون إلى مجاعة وإلى الدخول في برنامج الغذاء العالمي. وبدل تقديم المساعدات لمئات الآلاف، نصبح بحاجة لإطعام الملايين، وهذا ما لا يريده المجتمع الدولي، وهذا ما أتى بيار دوكان لقوله في لبنان، وعبَّرَ عنه بالحاجة لستاتيكو يحافظ على الوضع الراهن، ويمنع انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية القادرة على ضبط أي تفلّت على المستوى الأمني نتيجة فقدان الأمن الغذائي وانفلات سعر الصرف. ولذلك، يريد المجتمع الدولي من لبنان أن يحافظ على وضعه الحالي ريثما تتّضح معالم التطوّرات في العالم بفعل نتائج الحرب في أوكرانيا. وبيار دوكان في هذه الحالة، أتى ليقول للسياسيين باسم المجتمع الدولي: أنتم لا تعرفون كيف تديرون البلد، وعليكم الانتظار ريثما نتفرّغ لمشكلتكم".

احتمالات الثبات
الحفاظ على الثبات وتجنّب التدهور هو خيار خارج عن قدرة المنظومة الحاكمة، لأن لبنان اليوم "عبارة عن كيس مثقوب يريدون تعبئته بالماء"، على حد توصيف الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة. فالحكومة المناط بها سد الفجوات والثغرات، غير موجودة "ولا مساحة كافية أمامنا لإجراء هدم كلّي للنموذج اللبناني وإعادة بنائه". فعملية الهدم بنظر عجاقة تعني "رفد المجتمع الدولي للبنان بأموال كافية وبشكل مباشر، وهو ما يستحيل تأمينه لأن كل الدول مشغولة بترتيب أمورها ومواجهة مشكلة ارتفاع الأسعار والتضخّم ونقص الوقود والغذاء... وما إلى ذلك. والدول الوحيدة القادرة على المساعدة هي المنتجة للنفط، وفي مقدّمتها دول الخليج، لكن المساعدة يقابلها ثمن. وفي ظل عدم قدرة لبنان على تقديم الثمن، فإننا ذاهبون إلى المساعدات الغذائية في ظل انتشار الفقر المدقع الذي يطال 40 بالمئة من السكان، والفقر العام الذي يطال نحو 70 بالمئة". وقد يكون الحل واضحاً فيما لو أراد السياسيون تنفيذه، ويبدأ بشكل أساسي من "إقرار قانون الكابيتال كونترول بطريقة صحيحة، ومن إصلاح قطاع الكهرباء"، وفق عجاقة. ومع ذلك، فإن "أي إجراء لا يحظى بموافقة صندوق النقد الدولي، لن يكون منتجاً". أما الزيارات الرسمية، على غرار زيارة دوكان، فإنها "لن تغيّر في الواقع شيئاً".

الستاتيكو الاقتصادي غير وارد في الحالة اللبنانية، بل وحده الستاتيكو السياسي يمكن الحصول عليه، والمجتمع الدولي يعرف ذلك، وتحديداً فرنسا. وإذا كان المجتمع الدولي سيواجه خلال هذا العام زيادة الفاتورة الغذائية العالمية وصولاً إلى 1.8 تريليون دولار، أي بارتفاع قدره 51 مليار دولار مقارنة مع حجم الفاتورة في العام الماضي، حسب منظمة الفاو، فإن مشكلة لبنان، حتماً، لن تجد مَن يلتفت لها ولتداعياتها على نحو 95 بالمئة من اللبنانيين. وهو ما سينقل لبنان قريباً إلى تغيير جذري بعواقب وخيمة.