تحوّل مزرعة دواجن وختمت مداخله بالشمع الأحمر.. سدّ المسيلحة في عهدة القضاء مشروع غير مكتمل مثير للشبهات

قد يكون سدّ المسيلحة في البترون، أوّل سدّ تُختم مداخله بالشمع الأحمر، ويمنع القضاء اللبنانيّ "تحريك" أيّ شيء فيه، في انتظار نتائج التحقيقات الجارية حول فضائح الإهدار والفساد في التنفيذ، ما كلّف الخزينة اللبنانية عشرات ملايين الدولارات. 
 
المشروع على ما بدا، أقيم في منطقة مثقوبة القعر، لا تصلح لتجميع المياه إلّا لأيام معدودة، بعد انقضاء فصل الشتاء، تتسرّب بعد ذلك إلى البحر من دون أيّ فائدة منها، علماً أنّه يمكن تحويل مجرى نهر الجوز إلى حوض السدّ، لكنّ التجارب الماضية أثبتت فشل مثل هذه الخطوة، وبقي السدّ من الربيع حتّى منتصف الشتاء حوضاً جافّاً.

المفارقة أنّ سدّ المسيلحة تحوّل مزرعة للدجاج وموقفاً للسيارات، فيما امتدّ ضرر إنشائه الى جبل حامات المجاور، إذ أشار بعض الدراسات إلى أنّ التفجيرات التي أجريت من أجل إنشائه تسبّبت بزحل تربته في أعقاب أوّل شتوة رافقت تنفيذ الأعمال، ما أدّى إلى إقفال أحد مسربي أوتوستراد طرابلس -  بيروت بعد نفق حامات، لذلك لا يزال الأوتوستراد مفتوحاً على خطّ واحد منذ سنوات. ويبقى السؤال الأبرز والأهمّ لماذا أُقفل السدّ بالشمع الأحمر، ولماذا تأخّرت خطوة القضاء كلّ هذه السنوات؟
 
في عهدة القضاء
بعد انتقال الدعوى في ما خصّ الإهمال وإهدار المال العامّ من النيابة العامة المالية إلى قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار، درست  القاضية نصّار الملفّ واتّخذت الإجراء القانونيّ الطبيعيّ بعدم تحريك الموقع لإجراء مزيد من التحقيقات، ولاسيّما الفنّية منها، وترتيب المسؤوليات في المشروع. وهذه المسؤوليات تبدأ من الوزير، مروراً بلجنة التلزيم، وقد تشمل أيضًا لجنة التسليم والاستشاريّ المفترض أن يشرف على المواقع والتنفيذ ويوافق على الدفعات المالية.
 
لا مياه... وأشغال ناقصة
وعندما عاينت القاضية نصّار الموقع "تبين لها ألّا مياه في السدّ، وأنّ هناك أشغالاً نفّذت ولكنّها دون المستوى المطلوب. فهناك مبنى قرب السدّ أنشئ ليكون محطّة للتكرير، ولكنّه غير منجز، إضافة إلى وجود مزرعة دواجن في المكان، وبالتالي تحوّل السدّ من مشروع إستراتيجيّ إلى مزرعة دجاج!".
 
كذلك كان لافتاً، بحسب مصادر مطّلعة، كيف تُركت آليات ضخمة كالجرّافات والحفّارات ومعدّات "التزفيت" في العراء ليتآكلها الصدأ، مشيرة إلى أنّ نصّار قرّرت عقب ذلك ختم السدّ بكلّ مداخله بالشمع الأحمر، كما مكاتب الإدارة، والمبنى المهجور الذي كان يُفترض أن تتولّى تنفيذه شركة معيّنة سيجري التواصل معها من القضاء قريباً.
 

وعلم أنّ القضاء طلب من وزارة الطاقة تسليمه ملفّ السدّ كاملاً منذ انطلاقه إلى اليوم، وذكر تفاصيل كلّ من عمل فيه ومن كان استشارياً فيه، بالتسلسل الزمنيّ الكامل، مع دفتر الشروط الأساسيّ وكلّ تفاصيل مراحل العمل الذي امتدّ لسنوات، لأنّ النقطة الأساسية ستكون معرفة ما إذا كان المعنيّون ببناء السدّ على علم بتقارير علمية تقول إنّ الأرض غير صالحة لبناء السدّ أم لا؟

 الموقع "الغلط"
ويقول الخبير الهيدرولوجيّ سمير زعاطيطي: "إنّ موقع السدّ "غلط"، فهو يقع فوق ما يعرف بـ"كسر البترون" وهناك تشقّقات عدّة في الأرض تتيح تسرّب المياه منه، وهذا ما كنّا نبّهنا إليه قبل البدء بورشة السدّ، ولكن لم يسمع كلامنا أحد، وهناك دراسات وأطروحة جامعية تثبت كلامنا وصحّة ما نقول".
 
ويسأل: "هذه المساحة الباطونيّة التي صحّرت المكان الذي كان يحتوي أجمل بساتين الحمضيات، ماذا نستفيد منها اليوم؟"، ويضيف: "لا شيء. إنّها غير قابلة لتجميع المياه ولا لتوليد الكهرباء، ولو حفرنا آباراً أرتوازيّة للريّ كم كنّا وفّرنا على خزينة الدولة والمالية العامّة."
 
السؤال الأهمّ والأبرز الذي يطرح اليوم، هل سيُستكمل التحقيق ويصل إلى خواتيمه، وإلى إدانة المسؤولين عن الإهدار العامّ والسمسرات وسوء تنفيذ الأشغال، أم أنّ السياسة ستتدخّل، رغم نزاهة فئة واسعة من القضاة، فتفسد كلّ شيء وفق المثل القائل: "ما دخلت السياسة شيئاً إلّا أفسدته"؟