تحوّل ملحوظ في النظرة السورية الى لبنان

لا يمكن وصف زيارة وليد جنبلاط الى دمشق ولقائه قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع إلا بالتاريخية. ولا يمكن إدراج المباحثات بينه وبين الشرع إلا في الإطار السيادي الحقيقي بين دولتين عربيتين شقيقتين تحت سقف الإحترام المتبادل وبما يحفظ خصوصية كل منهما. ولعل المذكّرة التي سلّمها جنبلاط للشرع حول تصوّره لشكل العلاقات المستقبلية تؤكد في طياتها على هذه الخصوصية، وكذلك على ما يجب أن تكون ثوابت ترعى هذه العلاقة، بعد عقود من تحويل النظام البائد العلاقات الأخوية الى علاقة تابع ومتبوع ومصادرة القرار اللبناني في كل كبيرة وصغيرة. 

وهذه المذكرة قد تشكّل خريطة طريق حول عدد من العناوين أبرزها موضوع المعتقلين والمخفيّين في السجون، إلى ترسيم الحدود في مزارع شبعا وكفرشوبا، وإعادة النظر في معاهدة التعاون والأخوة.

بنود المذكّرة

وفي معلومات خاصة لجريدة الأنباء الالكترونية فإن المذكّرة التي قدّمها جنبلاط إلى الشرع تضمنت ثلاث عشرة نقطة تتناول من وجهة نظر جنبلاط كيفية بناء علاقات صحية وثابتة بين لبنان وسوريا قائمة على مبدأ مراجعة كل الاتفاقيات السابقة الموقعة بين البلدين، وصولاً إلى إلغاء المجلس الأعلى السوري اللبناني والاكتفاء بالسفارتين في دمشق وبيروت.

كما وردت في المذكرة نقطة تتعلق بضبط الحدود بين البلدين، من خلال الإسراع في ترسيم الحدود البحرية والبرية وإقفال المعابر غير الشرعية ومنع التهريب. كما طالبت بإجراء محاكمات عادلة بحق الذين تورطوا في الإجرام والكشف عمّن اشترك في عمليات الاغتيال، في لبنان ممن لم تشملهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

أما في ما يتعلق بمزارع شبعا المحتلة، فقد وردت الإشارة إليها في المذكرة، غير أن الأصوات التي تعلو في كل مرة يأتي فيها جنبلاط على ذكرها في أي موقف سياسي، فللمرة الألف يقول إن مزارع شبعا وفقاً لمنطق القانون الدولي هي سورية ولم يبادر النظام السوري السابق الى تزويد لبنان والأمم المتحدة بأوراق ضرورية لإثبات لبنانيتها، ما يجعلها لغاية تاريخه خاضعة للقانون الدولي والقرار رقم 242. وهو كرّر أمام الشرع أنه طالما أن لبنان لم يتسلّم من السلطة السورية ما يثبت لبنانيتها وطالما لم يتم ترسيم الحدود بين البلدين، فليس أمامنا سوى التعامل مع هذه الأراضي على أنها سورية إلى حين إثبات العكس.

آفاق المرحلة المقبلة

وقد رسم اللقاء بين الرجلين وبحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى والوفد الكبير المرافق آفاق المرحلة المقبلة التي يفترض أن تترجم رسميا من خلال سفارتي البلدين كما يرى جنبلاط.

أما كلمة جنبلاط أمام الشرع بما قلّ ودلّ فقد اختصرت معان ودلالات كبرى، بقوله "من جبل لبنان من جبل كمال جنبلاط نحيي هذا الشعب الذي تخلص من الاستبداد والقهر"، متمنيا أن تعود العلاقات اللبنانية - السورية من خلال السفارات وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين وأن تقام محاكم عادلة لكل مَن أجرم بحق الشعب السوري وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ وللأجيال القادمة"، مشبّها الجرائم التي ارتُبكت بحق الشعب بجرائم غزة والبوسنة والهرسك، وهي جرائم ضد الإنسانية ومن المفيد ان نتوجه الى المحكمة الدولية لتتولى هذا الأمر. 

كما كانت كلمة للشيخ أبي المنى أكد فيها أن شعب سوريا يستحق السلم والازدهار لأن سوريا قلب العروبة النابض. وأشار إلى أن الموحدين الدروز لهم تاريخ وحاضر يُستفاد منه. فهم مخلصين للوطن وشعارهم شعار سلطان باشا الاطرش، وشعار الكرامة، وكرامتهم من كرامة الوطن.

لقاء ممتاز

مصادر مواكبة لأجواء اللقاء بين جنبلاط والوفد المرافق مع الشرع وصفته في حديث لجريدة الانباء بالممتاز  الى أبعد الحدود. إن لجهة  المواكبة والاستقبال، من لحظة دخول الوفد الاراضي السورية حتى وصوله الى قصر الشعب في جبل قاسيون. أو لما تضمنته كلمات كل من جنبلاط والشرع من مواقف ورسائل في أكثر من اتجاه، يمكن البناء عليها لمستقبل زاهر بين لبنان وسوريا وقد تعوّض على الشعبين السوري واللبناني ما تعرضا له طوال خمسة عقود من الظلم والاستبداد والقتل والفساد.

المصادر توقفت عند الرد المسهب للشرع على كلام جنبلاط، داحضاً كل المزاعم والمخاوف من التحوّل الجديد في سوريا.

المصادر توقفت عند كلام الشرع عن سوريا الجديدة بأنها على مسافة واحدة من الجميع في لبنان. ورأت فيها تحوّلاً ملحوظاً في النظرة السورية الى لبنان. أما دعوته اللبنانيين الى محو تلك الحقبة السوداء من ذاكرتهم، فهي مؤشر لعناوين مهمة يمكن البناء عليها لرسم مستقبل افضل للبلدين. وخاصة حين دعا الحكومة اللبنانية الى إرسال لائحة بأسماء المخفيين قسراً في السجون السورية لمتابعة الملف تمهيداً بعد تحديد مصيرهم.