المصدر: الشرق الأوسط
السبت 30 أيار 2020 06:45:10
يحتدم الجدل بين تاجر لبيع الأدوات الكهربائية في بيروت، ومزوِّد للسلع في متجره، حين يشترط الأخير قبض فاتورته بالدولار. يطالب التاجر بأن تُفصل الفاتورة بين سعر البضاعة بالدولار والضريبة على القيمة المضافة التي يجب أن تُدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة)، بسبب التفاوت في سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وينظر التاجر، وكثيرون غيره، إلى أن بعض الموردين يستغلون ارتفاع سعر الصرف بالسوق الموازية إلى عتبة الـ4200 ليرة للدولار الواحد، لتحقيق أرباح إضافية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بهذه الحال كأننا ندفع الضريبة 24 في المائة بدلاً من 11 في المائة»، بالنظر إلى ارتفاع سعر الصرف 150 في المائة، وهي معضلة تُضاف إلى فوضى الأسعار في السوق، وقد أنتجت تداعياتها توتراً بين بائعي التجزئة وتجار الجملة وبعض المصانع اللبنانية التي تفرض جباية فواتيرها بالدولار، أو ما يعادل قيمته في السوق الموازية. ويتهم التجار بعض المصانع اللبنانية التي تفرض تحصيل فواتيرها بالدولار، بأنها تحقق أرباحاً إضافية مستفيدة من الأزمة على حساب المستهلكين، وذلك حين تفرض تحصيل كامل المبلغ بالدولار. فمعظم المنتجات، عُرفاً، تنقسم أسعارها إلى ثلث للمواد الأولية المستوردة من الخارج بالدولار، والثلثين الباقيين لتكلفة التصنيع والنقل. وما دام المصنع ينتج في لبنان ويستفيد من المازوت المدعوم وسعر الكهرباء والنقل وإيجارات العمال بالليرة اللبنانية، فإن تقاضي كامل سعر السلعة بالدولار سيوفِّر له أرباحاً إضافية من فارق سعر الصرف.
ويبرِّر كل مصنع أسباب إصراره على تحصيل فواتير مبيعاته بالدولار، بينما يقول آخرون إنهم يقدمون تسهيلات لكن «التجار وبائعي الجملة يستغلون الناس لتحقيق الأرباح»، علماً بأن التسهيلات مرتبطة بكيفية التحصيل ومهلته، وبأسعار مكونات المنتج (المواد الأولية) وهي في الغالب بالدولار.
ويقول كميل بطرس، أحد مالكي مصنع كبير للدهانات في لبنان، إنه مضطر للتحصيل بسعر صرف السوق ليرد رأسماله؛ لكنه يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نتساهل في سعر صرف الدولار؛ بحيث نتقاضى بسعر أقل مما هو في السوق، ونعتبر ذلك خصماً إضافياً على أسعارنا». ويضيف: «إذا دفع زبون كامل الفاتورة بالدولار، فإن الخصم سيتضاعف إلى حدود 40 في المائة من الأسعار، بدلاً من 25 في المائة».
ويشدد شربل أبو شديد، مدير عام أحد مصانع تمديدات المياه، على أن تسهيلات شركته وصلت إلى حدود تقاضي 40 في المائة من قيمة الفاتورة كشيك مصرفي «مع أنه سيدخل إلى الحساب البنكي، ولن نستطيع إخراجه في ظل القيود على السحوبات»، إلى جانب تقسيم المبلغ الآخر بين دولار وليرة لبنانية وفق سعر صرف السوق. وإذ يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأزمة الاقتصادية وأزمة «كورونا» فرضت عليه باعتباره مصنعاً تحمل تكلفة إضافية، ويشير إلى أن الرقابة على السوق النهائية وضبطها؛ حيث يشتري الزبون من التاجر، هي مسؤولية الحكومة، في وقت يقدم هو فيه التسهيلات.
ويئنُّ آخرون من انخفاض حجم الإنتاج بسبب الأزمة، ما رتَّب على المصانع تكاليف إضافية بدفع رواتب العمال والضرائب، ويعتبرون أن التحصيل بالدولار «سيعوِّض بعض الخسائر جراء الأزمات».
ويقول رئيس جمعية الصناعيين، فادي الجميل، إن هناك تفاوتاً بين سلعة وأخرى لجهة حصة المواد الأولية المستوردة فيها؛ لكنه يشدد على أن أي تجاوزات من قبل بعض الصناعيين غير مقبولة، لافتاً إلى أن هناك سلعاً انخفض سعرها، مثل عبوات المياه وغيرها من السلع الأساسية، رغم أن تكلفة إنتاجها ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار المواد البلاستيكية المستوردة.
ويشدد على أن الصناعيين «يتجاوبون بكل وضوح ومسؤولية، وبعضهم زاد قدراته الإنتاجية لتغطية السوق المحلية؛ لأنهم يعتبرون أن الوقت لتلبية الاحتياجات، وليس لتجميع الثروات»، من غير أن ينكر أن هناك «حالات شاذة تستوجب المتابعة»، وأن هناك «تجاراً يستغلون الصناعيين والمستهلكين». وينظر الجميل إلى تعميم مصرف لبنان لدعم الصناعيين بقيمة 100 مليون دولار على شكل تحويلات لاستيراد المواد الأولية، على أنه خطوة أولية، رغم أن حاجة السوق تبلغ 3 مليارات دولار سنوياً، ويتطلع للإفراج عن حسابات الصناعيين في المصارف واستئناف إمكانية التحويل، ويشير إلى أن الأزمة الأخيرة «أثبتت ثقة المستهلك اللبناني بالصناعة الوطنية»؛ لكن: «ما يهمنا هو وقف التهريب وإغراق السوق».