المصدر: النهار
الكاتب: سميح صعب
الأربعاء 18 حزيران 2025 07:51:48
منذ بدء إسرائيل حربها على إيران الجمعة الماضي، راوحت مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين التهديد بالتدخل المباشر، وإبقاء نافذة الديبلوماسية مفتوحة. لكن الديبلوماسية محكومة هذه المرة بالحرب الإسرائيلية، وبالاقتراح الأميركي الذي سلمته واشنطن لطهران قبل أسبوعين، الذي يحرم إيران من حق تخصيب اليورانيوم على أراضيها.
عاد ترامب على عجل من قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في كندا، ليس من أجل العمل على وقف للنار بين إيران وإسرائيل، كما غرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وعلى العكس من ذلك، طلب ترامب من سكان طهران الخروج منها "حرصاً على سلامتهم"، ومن ثم أعقب نبرته الإنذارية، بالحديث عن إمكان عقد اجتماع بين مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ليتوّج ذلك مساء الثلاثاء بطلب "استسلام غير مشروط" من إيران، ملوّحاً بأن المرشد الأعلى علي خامنئي "هدف سهل" لكن "لن نقضي عليه في الوقت الحالي".
جاء ذلك، بعد تقارير نشرتها "رويترز" وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، عن طلب إيران من وسطاء عرب إبلاغ ترامب رغبة الجمهورية الإسلامية في العودة إلى المفاوضات، مع الاستعداد لإبداء مرونة، شرط توقف الهجمات الإسرائيلية.
وردّ ترامب بوضوح أنه لن يطلب من إسرائيل تخفيف الهجمات، وأن المفاوضات يتعين أن تجري من دون شروط، وأنه "كان ينبغي لإيران أن توقع على الاتفاق الذي طلبت منهم التوقيع عليه"، في إشارة إلى الاقتراح الأميركي الذي تلى انعقاد جولة المفاوضات الخامسة في روما في 23 أيار الماضي.
من دون مواربة أو إنكار، فإن ترامب الذي كان يستخدم التهديدات الإسرائيلية كرافعة له خلال جولات التفاوض مع إيران، يستخدم الآن الآلة العسكرية الإسرائيلية لانتزاع موافقة إيران على ما لم توافق عليه قبل الحرب.
هناك رافعة أخرى، يستخدمها ترامب، ألا وهي التلويح بالدخول المباشر في الحرب وليس الاكتفاء بحماية إسرائيل. وفي هذا السياق، جاء الدفع بحاملة طائرات أميركية ثانية إلى المنطقة، مع نشر المزيد من المقاتلات والجنود في الشرق الأوسط. يترافق ذلك مع تحذيرات موجهة إلى إيران من المس بالأصول الأميركية في المنطقة.
ومع إشادة ترامب بأداء إسرائيل في الحرب، فإنه يتمهل في الاستجابة لطلب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بأن تعمد أميركا إلى تدمير منشأة فوردو قرب قم، بما يمنحه "صورة النصر" التي يبحث عنها ليقول إن الحرب قد حققت أهدافها ويتوج "ملكاً" على إسرائيل ويمحو صورة 7 تشرين الأول 2023.
لكن الرئيس الأميركي يحاذر التورط في نزاع مباشر مع إيران، حتى لا ينزع عنه صورة "صانع السلام" من جهة، ومن جهة أخرى لاعتقاده بإمكان حمل إيران، بعد الخسائر التي مُنيت بها، على التوقيع على اتفاق تتخلى بموجبه إرادياً عن حق تخصيب اليورانيوم، أي على ما يشبه "فرساي نووية".
هذا ما يفسر إعطاء ترامب فرصة لإسرائيل كي تواصل الضغط عسكرياً، مراهناً على أن القيادة الإيرانية لا بد أن تصل، في نهاية المطاف، إلى الاقتناع بأن التخلي عن البرنامج النووي قد يكون أقل الخيارات سوءاً في هذه المرحلة.
هل هذا الاحتمال وارد؟ على ذلك، يجيب مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي فائز، بأنه "بالنسبة للإيرانيين، فإن الشيء الوحيد الأكثر خطورة من المعاناة من القصف الإسرائيلي، بحسب وجهة نظرهم، هو الاستسلام للشروط الأميركية".
يفتح الموقف الأميركي الباب واسعاً أمام نتنياهو لتصعيد الحرب، وصولاً إلى احتمال الإقدام على اغتيال المرشد خامنئي، وإنذار سكان طهران بمغادرتها، لمضاعفة أعباء الحرب على الحكومة الإيرانية.
وبقدر ما تراهن إسرائيل وأميركا على أن الحرب ستولد دينامية ضد النظام في الداخل، من احتجاجات على غرار ما حدث في 2022 و2019 و2009، أو حصول انشقاقات في أقاليم مثل أذربيجان أو كردستان، فإن ارتفاع الخسائر في صفوف المدنيين والسعي إلى إذلال إيران، قد يؤجج الشعور القومي لدى الإيرانيين، حتى من قبل أولئك الذين لا يعرف عنهم تأييدهم للنظام.