المصدر: نداء الوطن
الكاتب: مازن مجوز
السبت 6 كانون الاول 2025 06:56:59
تُعتبر ظاهرة تربية القطط في لبنان من الظواهر الاجتماعية المتنامية، وخصوصًا في المدن، حيث أصبحت جزءًا من أسلوب الحياة لدى العديد من العائلات والشباب. وقد انتقلت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة من كونها مرتبطة بالبيوت الميسورة فقط إلى الانتشار في أوساط اجتماعية أوسع، مدفوعة بعوامل نفسية وعاطفية، وأحيانًا بدافع التقليد أو الرفقة أو كسر الوحدة. ومع تزايد أعداد مقتني القطط، بدأ الجدل حول الآثار الصحية والنفسية المرتبطة بها، خصوصًا في ظلّ دراسات علمية حديثة تشير إلى احتمال وجود علاقة بين تربية القطط والإصابة ببعض الاضطرابات النفسية، مثل الفصام.
إذ حذرت دراسة حديثة نُشرت في Schizophrenia Bulletin (2024) من أن التعرّض لقطط المنزل قبل عمر 25 عامًا قد يُضاعف تقريبًا احتمال الإصابة باضطرابات تشبه الفصام، مستندة إلى بيانات من 17 دراسة في 11 دولة على مدى 44 عامًا .
وفي ظلّ غياب النقاش الصحّي والنفسيّ حول الموضوع عن الإعلام والخطاب العام، تبرز مجموعة من الأسئلة أبرزها : إلى أيّ مدى يعي اللبنانيون هذه المخاطر؟ وهل تحظى هذه المسألة بما يكفي من النقاش والتوعية؟ وبين رأي الأطباء النفسيين والبيطريين، تبرز تساؤلات حول التوازن بين العاطفة والوعي، وتسلّط الضوء من جديد على الجوانب الوقائية والطبّية المرتبطة بتربية الحيوانات الأليفة في المنازل.
وفي هذا السياق، ترى فيفيان عطية، المهتمة بمجال التنمية البشرية، بأننا شهدنا انتشارًا حديثًا للظاهرة في لبنان في السنوات الأخيرة خصوصًا بين صفوف الشباب بعدما كانت تقتصر على العائلات الميسورة، وتشير إلى ضعف التوعية والحملات التوعوية كمًا ونوعًا، حول مخاطر تربية القطط أو كيفية العناية بها، سواء من الناحية الصحية أو النفسية.
وتؤكّد عطية أن أهم المخاطر الصحية المرتبطة بالقطط هي داء المقوسات (toxoplasmosis) الذي قد يؤثر على النساء الحوامل، خاصة عند التعامل مع فضلات القطط دون عناية، كاشفة عن عمق الفجوة بين الوقاية والحقيقة، "هناك اعتقاد خاطئ بأن تطعيم القطط يزيل كلّ المخاطر، بينما يبقى الإهمال في النظافة المصدر الأساسي للمشكلات".
وتضيف أن بعض خبراء عالم القطط يربط تربيتها باضطرابات نفسية مثل الفصام، لكن المختصين ينفون وجود علاقة مباشرة ويعتبرون الحيوانات الأليفة عامل دعم نفسيّ إيجابيّ. ويصفون فكرة أن يكون لدى المواطن صديق في البيت هو القطة أو الكلب بالفكرة الصائبة، فكلّ منهما يشكل عامل مواساة للمريض النفسي وأن كلًا منهما يخفف من الاضطرابات النفسية للمريض.
ووفق عطية، فإن الأطباء البيطريين في لبنان يعتبرون أنه لو أن القطة تسبّب الفصام لكانت هناك نسبة كبيرة من اللبنانيين مصابة، وأن الفصام ناتج عن مجموعة عوامل وراثية وبيئية واجتماعية تلتقي بدرجة معيّنة فيظهر المرض عند الإنسان.
وفي ما يتعلّق بدور الجمعيات وانتشار ثقافة الرفق بالحيوان، توضح عطية أن حضورها زاد في السنوات الأخيرة ، وهي لا تزال تساهم في نشر ثقافة اقتناء القطط من منطلق عاطفي وإنساني أكثر من كونه بيئيًا أو صحيًا.
بدوره، لا ينفي الطبيب رائد منير الحكيم في مركز البحوث العلمية الزراعية وجود إصابات بمرض الفصام في صفوف مربي القطط في منازلهم "لكن نسبتهم ليست عالية مقارنة بإجمالي مربي القطط والكلاب في لبنان، حيث يهتم هؤلاء (المصابون) بالكلب أو القطة أكثر من حياتهم الاجتماعية، وعلى سبيل المثال تفضل الفتاة من هؤلاء أن يكون لديها قط أو كلب بدلًا من الـ boyfriend، ويفضل الشاب أن يكون لديه قط أو كلب من أن يكون لديه girl friend".
ويشرح الحكيم: "هنا يتركّز كل اهتمام هذه الفئة بالكلاب والقطط، ما يعني أن ذلك ترك تأثيره على سلوكهم، بالطبع هذا مرض نفسي إذا لم نهتم بأنفسنا أولًا وبمن هم حولنا ثانيًا وبالحيوانات الأليفة ثالثًا (لمن يهوى تربيتها)، لأنه في حال حدوث خلل في هذه المعادلة فسيعكس ذلك سلوكًا خاطئًا"، ولا بأس بتربية الحيوانات الأليفة لأن هذا يحصل في أوروبا وأميركا، وفي العالم العربي أصبحت ظاهرة منتشرة أيضًا.
ويشدّد على أن وجود الحيوان مهم مع العائلة بالنسبة إلى الأولاد، إذ يعتادون الاهتمام بالحيوانات، وهذا يجعلهم يهتمون لاحقًا بوالدهم ووالدتهم في سن الكبر.
وفي الواقع، فإن مربّي القطط والكلاب يشعرون أن حيواناتهم الخاصة هي رفيقة حياتهم، وأعرف الكثير من اللبنانيين يربّون ما بين 10 إلى 20 قطة في منازلهم، والكثير ممن يقصدونني يطعمون القطط على الطرقات، وهذا عمل إنساني، والبعض ممّن يربي القطط أو الكلاب يفضلون العيش معها والتخفيف من التعاطي مع البشر.
وبالعودة إلى المصابين بمرض الفصام، ألاحظ أنهم يحرمون أنفسهم من أشياء كثيرة في سبيل متابعة الوضع الصحي للقط في حال كان مريضًا، إذ يشعرون أن القطة مهمة جدًا بالنسبة إليهم في المنزل، فمنهم من يعيش أحيانًا بلا "واي فاي" وبلا تلفون، وأحيانًا لا يتناولون الطعام في حال كان القط أو الكلب مريضًا حيث يركزون كل وقتهم على الاهتمام به لاستعادة صحته.