ترحيل السوريين: التخبط ينسحب على الأمن العام والحكومة والمفوضية

كتبت جنى الدهيبي في المدن: 

خطفت مخاطر الحرب المتصاعدة الأضواء من ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، والذي شكل قبل أشهر قليلة ذروة الصراع الداخلي والأهلي، وبين لبنان الرسمي والمفوضية والمجتمع الدولي. 

لكن الواقع في الكواليس، يشي بأن الحرب ليست السبب الفعلي لجمود ملف اللاجئين، وهو بات عالقًا عند الأمن العام اللبناني، الذي يعتبر وفق مصادره، بأن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) لا تتعاون معه، وتمتنع عن تسليمه الداتا لأكثر من مليون و482 ألف لاجئ، تحسبًا لعمليات الترحيل المحتملة.

وفي هذا الإطار، يشير مصدر مطلع لـ "المدن"، بأنه في عام 2023، تم ترحيل حوالي 13 ألف و700 سوري، أو صدهم من قبل الجيش اللبناني، وهو عدد يفوق بنحو ألف و500 حالة، عمليات الترحيل في عام 2022.

أما في 2024، "فقد تم ترحيل نحو 430 سوريًا بواسطة الأمن العام، في حين تعرض أكثر 2800 سوري آخرين للترحيل أو صد من قبل الجيش عبر الحدود البرية في الشمال".

وكانت المفوضية قد سلمت الأمن العام داتا اللاجئين السوريين لديها في كانون الأول الماضي، تنفيذًا للاتفاقية التي وقعتها مع الحكومة في 8 آب 2023. وضمت معلومات حول هؤلاء، من دون أي بيانات تفصيلية عنهم، لا سيما لجهة تاريخ التسجيل والدخول إلى لبنان وأسبابه، سواء قبل 2015 أو بعدها.

عقبات الخطة باء

ينفي الأمن العام إقدامه على أي عمليات ترحيل، خارج الأطر القانونية المحلية والدولية، كما يؤكد على أن هدف الخطة "باء"، هو تنظيم وجود السوريين، وقوننته، بما يصب في مصلحتهم أولًا وبمصلحة لبنان أيضًا.

ويفيد مصدر رسمي في الأمن العام لـ "المدن"، بأن المديرية ما زالت تواصل عملها، لوضع آلية تنفيذ الخطة "باء" برعاية الحكومة، وبانتظار القرار السياسي للشروع بها.

لكن ما يعرقل الخطة وفق المصدر، هو امتناع المفوضية عن تسليم الداتا كاملة التي طلبتها الحكومة. ويقول: "نتأسف جدًا بأننا مضطرون للتقصي عن نحو مليون و482 ألف لاجئ لإعداد داتا تفصيلية عنهم، بينما هي موجودة بين يدي المفوضية وترفض تسليمها للدولة اللبنانية ولا تستجيب لطلبات الحكومة". ويسأل المصدر: "هل يعقل أن كل هؤلاء يحتاجون لحماية دولية لأنهم لاجئون سياسيون؟".

ومنذ قرابة شهر، يتحضر الأمن العام لوضع الخطة حيز التنفيذ، إضافة إلى عمله على إنشاء مركز خاص في منطقة الدامور، ويتم تجهيزه بقرار تمويلي من الحكومة بالقرطاسية وأجهزة الكومبيوتر، لتجميع مختلف الداتا التي تم جمعها حول السوريين، من مراكزه في مختلف الأراضي اللبنانية.

ويعتبر المصدر الرسمي بأن الأمن العام، ما زال ينتظر تجاوب المجتمع الدولي والمفوضية معه، وأن يلتزموا بالقوانين الدولية والمحلية للبنان، مثلما يطالبونه بذلك، وعلى رأسها معاهدة العام 2003، التي وقعها الأمن العام مع المفوضية، وتلزمها بمنح كل طالب لجوء في لبنان، سنة كاملة، حتى تؤمن إعادة توطينه في بلد ثالث، على اعتبار أن لبنان ليس بلد لجوء.

وبحسب المصدر، فإن الأمن العام تثبّت هذا العام من وجود أكثر من 85% طالب من اللاجئين السوريين، مسجلين في المدارس اللبنانية، وهم بلا إقامات، داعيًا المجتمع الدولي والمفوضية إلى المسارعة بالتجاوب مع لبنان. 

المفوضية توضح

توازيًا، تقول الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دلال حرب، بأن المفوضية تلقت فعلًا طلب الحكومة اللبنانية المتعلق ببيانات إضافية للاجئين السوريين واستجابت لها، وفقًا "مع التزامها بتعهداتها الدولية لحماية البيانات واتباع للقانون الدولي للاجئين".

وتشير حرب لـ "المدن"، بأن المفوضية توصلت مع الحكومة اللبنانية قبل عام، إلى اتفاق لمشاركة البيانات في 8 آب 2023، وتم بناءً على الاتفاق تحويل لمرة واحدة للبيانات الأساسية للاجئين السوريين في لبنان.

أما الشهر الماضي، بحسب حرب، عُقد اجتماع مع الأمن العام لمناقشة الطلب الجديد للحكومة للحصول على بيانات شخصية للاجئين السوريين، كما هو الحال في مثل هذه الطلبات، وسيتم التجاوب بما يتماشى مع مبادئ حماية البيانات الدولية.

وتُعد معالجة البيانات الشخصية، وفق حرب، جزءًا أساسيًا من تنفيذ تفويض المفوضية لتوفير الحماية الدولية والمساعدات الإنسانية للأشخاص المهجرين قسرًا.

وتقول: "نظرًا للحساسية المتأصلة في البيانات الشخصية لكل فرد - والتي تعكس الجوهر الذي هم عليه واحتياجاتهم الفردية - تسعى المفوضية لضمان أعلى مستوى من الحماية للبيانات الشخصية التي تقوم بمعالجتها".

لذا، "تتطلع المفوضية إلى حوار مستمر حول هذا الموضوع مع حكومة لبنان، التي نواصل الاجتماع معها لمناقشة الطلب للحصول على بيانات إضافية وفقًا لمعايير حماية البيانات الدولية، والقابلة للمقارنة مع الأطر الوطنية لحماية البيانات على مستوى العالم".

تخبط الحكومة

وواقع الحال، يبدو بأن حكومة تصريف الأعمال التي أثبتت عجزها بمقاربة ملف اللاجئين السوريين رسميًا ودوليًا وأمنيًا ومع الجانب السوري، تواصل تخبطها من دون القدرة على حسمه، كما لم تنظم زيارة وفد رسمي إلى دمشق كما وعدت مرارًا، للبت بالملف.

في حين، لا يبدي النظام السوري أي رغبة فعلية باستقبال السوريين، لأسباب ديمغرافية وسياسية ودولية، أما معظم البلديات في لبنان، فتواصل إجراءاتها المشددة، وبتوجيه من الحكومة، بحق السوريين المتواجدين ضمن نطاق سلطتها.

وهنا، يقول وزير المهجرين عصام شرف الدين، في حديث لـ "المدن"، بأن ملف عودة السوريين، لم يطرح أساسًا بشكل جدي من قبل الحكومة، "حتى ملف العودة الطوعية لم يحظ باهتمامها، ولا يوجد أي قرار سياسي بتفعيل العودة الطوعية من قبل هذه الحكومة".

ويصف شرف الدين حكومة نجيب ميقاتي، الذي هو عضو فيها، بأنها غريبة الهوى وتمتثل "لإملاءات الغرب الرافض لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم".

ويعتبر الوزير بأن حرب غزة والجنوب اللبناني، أخذت الحيز الأهم من اهتمامات الحكومة، حيث شُكلت لجنة طوارئ تهتم بشؤون النازحين من الجنوب اللبناني وعددهم أكثر من مئة ألف. ويقول: "هناك تواصل خجول مع الجانب السوري يقتصر على الأمن العام اللبناني مع الأمن الوطني السوري بشؤون أمنية، أما الملفات الأساسية فليست قيد التداول، وأهمها: ملف العودة، ملف خدمة العلم، ملف السجناء السوريين في لبنان، ملف مكتومي القيد، وملف ضبط المعابر الحدودية". 

ويعتبر الوزير بأن المعرقل الأساسي في ملف اللاجئين السوريين، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، و"هما يفرضان إبقاء النازحين عبر الترغيب والترهيب والضغط على حكومة لبنان لمآرب غربية سياسية".