المصدر: الراي الكويتية
الخميس 9 تشرين الأول 2025 01:28:49
أطفأتْ «حربُ إسنادِ» غزة التي أَطْلَقَها «حزب الله» في 8 أكتوبر 2023 عامَها الثاني، اليوم الأربعاء، على وقعِ وقوف القطاعِ أمام فرصةٍ أخيرة لإنهاء «المحرقة» التي فتَكَتْ بأبنائه، في حربِ إبادةٍ جَماعية «مكتملة المواصفات»، وإلا مواجهةِ سيناريو «المعركة الأخيرة» التي باتت محكومة بسقوفٍ - تهديدات لـ «حماس» لا تحتمل خياراتٍ رماديةَ وصيغت بلغةِ «الإبادة الكاملة» و«الجحيم غير المسبوق».
وفيما كانت كل العيون على شرم الشيخ والمفاوضاتِ المكوكية التي رمى فيها الوسطاء «متعددو الجنسية» ثِقْلَهم لإنجازِ تفاهُم على المرحلة الأولى من خطةِ الرئيس دونالد ترامب بما يتيح إقلاعَ «قطار حلّ» يُراد أن يكون دائماً ويؤسّس لسلامٍ في المنطقة، تراجعتْ في لبنان العناوين السياسية نسبياً تحت وطأة أكثر من «جردةِ حسابٍ» لِما حققتْه «حربُ المشاغَلة».
وإذ ارتسمتْ مَلامِحُ مواكَبةٍ متعدّدة البُعد لمسارِ شرم الشيخ عبّر عنها الكشفُ عن الاجتماع العربي الأوروبي الموازي الذي يُعقد اليوم في باريس لتأطير «اليوم التالي» بعد انتهاء الحرب ولا سيما إنشاء بعثة الاستقرار في غزة، لم تتفاجأ أوساط مطلعة في بيروت بالغياب الكامل للبنان عن حلقة الدول المُساهِمة في المناقشاتِ حول ليس فقط مستقبل القطاع بل المنطقة برمّتها، رغم انخراط عدد من العواصم العربية فيها.
وترى هذه الأوساط أن لبنان بات في «غرفة انتظارٍ» ثقيلٍ ويُخشى أن يكون «مُكْلِفاً، بعدما سَلَّمَ عملياً بإبطاءِ مَسار سَحْبِ سلاح «حزب الله» بعدما تشابكتْ فيه مقتضياتُ حِفْظِ السلم الأهلي وتَرَقُّب ما سيكون على «الجبهة الأمّ» علّ ذلك يوفّر على «بلاد الأرز» حرباً جديدة اسرائيلية أو صِداماً داخلياً، بحال سلكت تسوية غزة طريقَها واعتمد الحزب تبعاً لذلك الواقعيةَ في مقاربة ملف سلاحه ومستقبله.
وتلفت إلى أن لبنان الذي بات في ما يشبه وحدةَ المسارِ والمصير مع غزة منذ أن كانت «الطلقةُ الأولى» من الحزب عبر الجنوب، فوّتَ منذ إعلان اتفاق وقف النار في 27 نوفمبر 2024، فرصةَ معالجة سلاح الحزب على «توقيت بيروت» ومَصلحتها العليا بفعل طغيانِ امتداده الإيراني، إلى جانب استفادة اسرائيل من تردُّد السلطات اللبنانية بدايةً في وضع يدها على قضية السلاح بذريعة أو أخرى.
وتَعتبر أنه رغم تاريخية قرار سَحْبِ سلاح الحزب الذي اتخذتْه حكومة الرئيس نواف سلام (5 أغسطس)، فإن العمليةَ التنفيذيةَ التي أوكلت إلى الجيش اللبناني وبدأت مرحلتها الأولى في 5 سبتمبر جنوب الليطاني (حتى نهاية ديسمبر)، بدتْ محمَّلة بأثقالِ تعقيدات الوضع اللبناني الداخلي والـ لا الحازمة من الحزب برفض تسليم السلاح شمال الليطاني ورهْن ذلك بحوار حول إستراتيجية دفاعية بعد أن تنفّذ إسرائيل اتفاق 27 نوفمبر.
من هنا، تلاحظ الأوساط أن لبنان، المعنيّ مباشرة بقضية فلسطين من منطلقات جغرافية وأمنية وسياسية، وعوضَ أن يكون «حول الطاولات» التي تَبحث مستقبلَ القطاع والمنطقة - لو كان ملف السلاح شهد أفقاً واضحاً باتجاه معالجةٍ تفكّ ارتباطه بحسابات إيران وضروراتِ إدارة مواجهتها التي لم تنتهِ مع الغرب ويُخشى أن تتجدد مع إسرائيل - وَجَد نفسَه أمام مَخاطر أن يوضع «على الطاولة» وفق سيناريو يُخشى أن يكون شبيهاً بما مهّد لـ «حل غزة».
وتشير الأوساطُ نفسُها إلى أن الجِراح البليغة التي أصابتْ الحزب على امتداد حرب الـ 65 يوماً أخرجتْه واقعياً من «دَفّة القيادة» وإن من الخلف للوضع اللبناني، ولكنه مازال يَحتفظ بقدرةٍ على التأثير فيه ولو من «بابٍ تعطيلي» لقضايا - مفاتيح وأهمّها سَحْب سلاحه وفق ما ظهّرتْه التطورات المتعلقة به منذ 5 اغسطس، مروراً بأزمة «صخرة الروشة» وما بعدها، رغم أن ذلك لا يعود لقوّته ووهْجِها بمقدار ما أن مردّه لمراعاةٍ لبنانية لـ «ألغام» داخلية يُراد تَفادي الدوس عليها.
وتقود هذه الصورة إلى المَخاوفِ المتزايدة مما قد يكمن للبنان، في حال «استراح» بنيامين نتنياهو من جبهة غزة، خصوصاً أن أيَّ تجديدٍ للضغط بالنار على «حزب الله» سيكون هذه المرَة محْكوماً بالمسار الذي أَطْلَقَتْه خطةُ ترامب، إذا قُيَّد لها أن تنطلقَ بمرحلتها الأولى، وبأهدافها التي ستكرّس التحولاتِ الجيو – سياسيةَ في المنطقة، بما يَجعل الحزبَ في حال ظهّر نفسَه كعقبةٍ أخيرة أمامها هدفاً «لمرة أخيرةٍ»، وسط اعتقادٍ أن طهران وفي ضوء تجربة غزة وفشلها مع حزب الله بمنْع الكوارث التي حلّتْ بالقطاع وإخراج«حماس»من أي دور لها فيه، لن تكون قادرةً على فرض «مآلات أخرى» على صعيد الحزب هي التي باتت بنفسها «على الخطّ الأمامي» بعد حرب الـ 12 يوماً في يونيو.
وفي هذا الوقت، مضى لبنان الرسمي في توجيه الرسائل الرامية إلى الموازنة بين وجوب التزام إسرائيل بما عليها في اتفاق وقف النار، خصوصاً الانسحاب من التلال التي مازالت تحتلها وإطلاق الأسرى ووقف اعتداءاتها، كي يتسنى للجيش إكمال مهمته جنوب الليطاني والانتقال الى المراحل الأخرى شمال الليطاني.