ترويج أميركي - إسرائيلي لحلّ وشيكٍ... وفي بيروت حَذَرٌ من مكمنٍ ما

«ساعاتٌ عصيبةٌ» دَخَلَها لبنان، أمس، وسابَقَتْ معها كرةُ النار المحمومةِ التي تتدحْرج في عمومِ خريطته المضرجة بالدم والدمار، مناخاتٍ عن وقفٍ للنار تم التوصّل إليه أو «الاتفاق على شروطه» بين بيروت وتل أبيب ويبقى فقط تَجاوُز «خط النهاية»، بإعلانه الرسمي ضمن مهلة حُدّدت اليوم أو خلال هذا الأسبوع.

ومنذ بعد الظهر، بدا لبنان في مهبِّ ساعاتٍ حاسمة وكأنّها تفصل بين «فجوةٍ سحيقةٍ» يقف على مَشارفها، في ضوء التصعيد الاسرائيلي الهستيري الذي وصل للمرةِ الأولى الى منطقة الشويفات (ساحل الشوف) وعاصفةِ «الدمار الشامل» في مثلث النبطية - صور - الضاحية الجنوبية لبيروت والتهديدات باستهداف «الدولة» اللبنانية وحتى مقرّ البرلمان، وبين «طوقِ نجاةٍ» يشكّله مقترحُ وقف النار الأميركي الذي تَقاطَعَتْ مفاوضاتُ «الشوط الأخير» حوله مع أمرِ الاعتقالِ من المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو وتقارير عن ضغوطٍ أميركية لوّحتْ بـ «نَفْضِ اليد» من الوساطةِ وترْك تل أبيب تعوم فوق «بحرٍ هائجٍ» مع إمكان أن تفْقد «جدار الحماية» بالفيتو في مجلس الأمن بحال طُرح إنهاء حرب لبنان الثالثة عليه.
وفيما كانت أجواء تضع إغراقَ اسرائيل جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية بالغارات و«أحزمة النار» وتَمَدُّدَ الاستهدافات نحو مدينة الشويفات، كما إمطار «حزب الله»، الشمال الاسرائيلي وصولاً إلى تل أبيب (الأحد) بالصواريخ في سياق النسَق التصعيدي الذي يسبق «سكوتَ المدافع» والتسابق على حجْز «صورة الانتصار» وحول «لمَن ستكون الكلمة الترويعية الاخيرة»، لم يكن من السهل تبيان الحقيقي من «الدخاني» في مناخاتِ التفاؤل التي كانت تل أبيب وبعض المصادر الأميركية في مقدّمة مروّجيها ومتبنّيها، في موازاة حَذَر حتى أولى ساعات المساء في بيروت من «شيء ما» يُحضَّر للبنان لإظهاره في موقع المسؤولية عن إفشال «الفرصة الأخيرة» لوقف النار قبل «تصعيد طوفاني» لن يعود متاحاً احتواؤه قبل 20 يناير الأميركي.

وفي الوقت الذي كان نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دانيال شابيرو يُجْري لقاءاتٍ في اسرائيل لمناقشة تفاصيل وقف النار في ضوء التعديلات التي طرحتْها تل أبيب خلال المناقشات مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، نشطت التحريات في بيروت لمعرفة إذا كان الكلام الاسرائيلي عن «اتفاقٍ مع لبنان أصبح تحصيلاً حاصلاً» وعن أن المجلس الوزاري المصغر سيجتمع اليوم للمصادقة عليه، هو تعبير عن:

- إما تَفاهُمٍ جرى التوصل إليه بين بيروت وتل أبيب عبر الأميركيين بما يمهّد لإعلانٍ متبادَلٍ عن وقف الحرب ومندرجاته، بآليةٍ أو أخرى.

- أم أن الأمرَ هو في إطارِ «إعلانٍ من جانبٍ واحد» أي من اسرائيل رَبْطاً بتفاهُم ثنائي بينها وبين الولايات المتحدة على «الاتفاق الأصلي» المتمحور حول تطبيق القرار 1701 كاملاً كما على «ملحق جانبي» عبارة عن كتاب ضمانات حول «حرية الحركة والتصرف» في لبنان بإزاء أي انتهاكٍ للاتفاق ما لم تعالجه لجنة المراقبة والإشراف على التنفيذ الخماسية بقيادة الولايات المتحدة (وتضمّ لبنان واسرائيل وفرنسا والأمم المتحدة عبر «اليونيفيل»).

وأول إشارة مسائية لاحتْ من بيروت جاءت على لسان نائب رئيس البرلمان الياس بوصعب الذي أكد لـ «رويترز» أن «لا عقبات جديّة أمام بدء تنفيذ هدنة ترعاها الولايات المتحدة»، بالتوازي مع نقل الوكالة عن مسؤولين أن «إدارة الرئيس جو بايدن أبلغت إلى مسؤولين لبنانيين أن وقف النار قد يُعلن عنه في غضون ساعات»، بينما نقل زوار رئيس البرلمان نبيه بري أن «الأجواء إيجابية والإعلان عن وقف النار من واشنطن خلال 36 ساعة».

واحتاطت أوساطٌ مطلعة في بيروت من كل المناخات الإيجابية، داعية إلى الثبات على «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، وإلى ترقُّبِ ما سيخلص إليه اجتماع «الكابينيت» اليوم حول الاتفاق ومضامينه، وخصوصاً لجهة الانسحابِ من الجنوب فوراً أو بحد أقصى على 3 مراحل مُبرْمَجَة بوضوحٍ (وهذا ما يشترطه لبنان) أو ربْط ذلك بانقضاء مهلة الـ 60 يوماً من الهدنة، أو بما ذكرتْه القناة 12 حول أنه «ما دامت تل ابيب لا تقتنع بأن الجيش اللبناني يعمل بصورة جيدة فلن تنسحب من جنوب لبنان»، وأيضاً حول «الملحق الجانبي» وهل ستظهّره اسرائيل ككتابِ ضماناتٍ مرفَقٍ بالاتفاق، أو تترك «باباً» للبنان لإعلان «لم نرَ ولم نسمع» بمثل هذا الملحق الذي يتعارض مع السيادة والذي لا يمكن القبول به وذلك من خلال إضفاء الطابع «المكتوم وغير المكتوب»عليه.

وبهذا المعنى، فإذا كان مسارُ «إبرام» الاتفاق رهناً بموافقة المجلس الوزاري المصغّر الاسرائيلي عليه ثم ردّ لبنان عليه، فإنّ هذا ينطوي على ما يدعو إلى الإبقاء على الحذر من أي إفراطٍ في التفاؤل، خشية أن تكون تل ابيب تنصب فخاً تريد عبره وضْع بيروت أمام «أمرٍ واقعٍ» من خلال تظهيرِ أنها في موقع مَن سهّل وتبنّى الاتفاق وأن لبنان، إذا لم يَسِرْ به «كما هو»، يكون «فجّر» المسعى الأميركي، وتالياً يتحمّل تبعات ما سيحلّ في الميدان الذي برز ايضاً في إطار «فتْح الخيارات» فيه ما أوردته «معاريف» عن «ان الجيش الإسرائيلي قد يستهدف مبنى البرلمان اللبناني من أجل إعلان النصر وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم»، وأن هذا المقرّ «يُعد جزءاً من المستوى السياسي لحزب الله، ويمكن أن يكون بمنزلة ملجأ لأعضاء الحزب».

وفي السياق، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر «إن أي اتفاق لوقف النار سيتوقف على التنفيذ الذي من شأنه أن يبقي حزب الله منزوع السلاح وبعيداً عن الحدود (...) والاختبار لأي اتفاق سيكون واحداً، ليس في الكلمات أو الصياغة، ولكن في تنفيذ النقطتين الرئيسيتين فقط. الأولى منع حزب الله من التحرك جنوباً وراء نهر الليطاني، والثانية منعه من إعادة بناء قوته وإعادة تسليحه في كل أنحاء لبنان».

وبعدما كانت تقارير في تل ابيب أشارت إلى أن اسرائيل سحبت اعتراضها على انضمام فرنسا إلى آلية مراقبة الاتفاق المزمع مع لبنان، وأن هناك «تفاهمات على الحفاظ على حرية الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان إذا خرق حزب الله الاتفاق وانسحب الجيش اللبناني» وأن نتنياهو أكد أنه «يفضّل الذهابَ إلى تسوية مع لبنان مع التزامٍ أميركي بالسماح لإسرائيل بالردّ على أي خروق أو انتهاكات وهو أوضَحَ أن الشرط الأساسي في هذا الأمر هو أننا سنقرر ما يُعتبر انتهاكاً»، نقل موقع «اكسيوس» عن مسؤول أميركي رفيع المستوى «ان إسرائيل ولبنان اتفقا على شروط اتفاق وقف النار» بما سيسمح لمئات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود بالعودة تدريجاً إلى منازلهم.

مشروع الاتفاق

ويتضمن مشروع اتفاق وقف النار فترة انتقالية مدتها 60 يوماً يتم خلالها انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب ، وينتشر الجيش اللبناني في المناطق القريبة من الحدود وينقل الحزب أسلحته الثقيلة شمال نهر الليطاني.

كما ينص، بحسب «اكسيوس» على لجنةٍ بقيادة الولايات المتحدة لمراقبة التنفيذ ومعالجة الانتهاكات «وقد وافقت واشنطن على إعطاء إسرائيل رسالة ضمانات تتضمّن دعماً للعمل العسكري ضد التهديدات الوشيكة من الأراضي اللبنانية، وللعمل على تعطيل إعادة تأسيس وجود عسكري لحزب الله قرب الحدود أو تهريب الأسلحة الثقيلة».

وبموجب الاتفاق، ستتخذ إسرائيل مثل هذا الإجراء «بعد التشاور مع الولايات المتحدة، وإذا لم يتعامل الجيش اللبناني مع التهديد».

وذكّر «اكسيوس» بأن الاتفاق كان يقترب من الاكتمال يوم الخميس عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وأن هذا الأمر وإعلان الخارجية الفرنسية أن باريس ستنفذ أوامر المحكمة «أدى إلى تعقيد المفاوضات».