تصحيح الرواتب والأجور قاب قوسين: "تضخم" لا بد منه

كتبت سلوى بعلبكي في النهار:

فيما لا تزال كرة التضخم تكبر وتتدحرج، ساحقة في طريقها أجور العمال ومداخيلهم، وتعويضات عمر أمضوه في الكد والجهد لتأمين تقاعد آمن إجتماعيا وإنسانيا، لا تزال الدولة كعادتها في المربع الأول من الأزمة، تتلهى بمناكفات أهلها، وتغفل عن جوع مواطنيها وفقرهم.

كان متوقعا وحتميا أن يسارع القطاع الخاص عبر الإتحاد العمالي، ويطالب بمساواته بالقطاع العام، فالوجع والفقر والتضخم حالة مشتركة بينهما والجميع في مركب الانهيار وتآكل الأجور واحد، علما أن بعض القطاع الخاص سبق الاتحاد العمالي وقام بتعديلاته الخاصة على الأجور، من دون انتظار أو استئذان الدولة، كما من دون تسجيلها رسميا في الضمان والمالية. بيد أن لا احصاء دقيقا لعدد المؤسسات والشركات التي بادرت منفردة لرفع رواتب موظفيها، لكن الأخبار المتداولة اجتماعيا، تبين أن معظم الشركات والمؤسسات الكبرى والمصارف، والمصانع التي تصدّر إنتاجها الى الخارج، رفعت رواتب موظفيها، وفق قدرة كل منها، فبعضها يسدد أجور عماله بالليرة كليا بعد الزيادات، والبعض الآخر بـ "اللولار" مع الليرة، فيما عمدت شركات تتعامل مع أسواق خارجية، أو فروع لاستثمارات دولية، الى "دولرة" كامل رواتب موظفيها، وتسددها لهم بـ"الفريش دولار".

تعديل الأجور وزيادة قيمة الحدود الدنيا لها، تحولت الى حتمية إجتماعية وإنسانية لا يعاند عاقل برفضها، لكن اي زيادات مرتقبة يقرها المجلس النيابي من دون تنسيق كامل وحوار جدي وعلمي مع ارباب العمل وجمعيات التجار والصناعيين، دونه خطر انهيار ما بقي صامدا من القطاع الخاص، وستتكرر مشهدية انهيار مالية الدولة، بعدما أقرت سلسلة الرتب والرواتب، السيئة الذكر، في لحظة شعبوية إنتخابية أودت بالبلاد الى الإنهيار، وبالسلسلة الى فقدان قيمتها.

ثمة اجماع على أن افضل ما يمكن الاتفاق عليه، ويكون مفيدا لفريقي العمل والإنتاج، هو ما يجب أن يأتي كنتيجة طبيعية بعد الإتفاق على الخطط الاقتصادية الانقاذية العتيدة، والسير بالاصلاحات الضرورية لإنعاش الاقتصاد، وبعد إسكات "ممتهني الشعبوية" من السياسيين والمسؤولين، و"بيع الحكي" للعمال والموظفين، وإلا فـ"خراب البصرة" الذي اصاب القطاع العام ومعه الدولة، قد ينسحب على القطاع الخاص الذي لم يعد في مقدوره ان يتحمل ضربات قاسية وقاضية، تهجّر ما بقي من استثمارات فيه، الى دول العالم.

حتى الآن لم يعارض القطاع الخاص تصحيح الاجور لعماله وموظفيه، ولم ينتظر القرار الرسمي بذلك، على رغم التراجع الكبير في حجم الاعمال من نحو 52 مليار دولار الى ما يقارب الـ 17 مليار دولار، اي ما بين 70% الى 80%، وفق ما يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال لـ"النهار"، اضافة الى "خسارة الرساميل والموجودات نتيجة الازمات وتراجع القدرة الشرائية للمواطن التي انعكست سلبا على اعمال القطاع الخاص، عدا عن أموال المؤسسات والشركات المحتجزة في المصارف والتي فقدت قيمتها". وهذا الواقع ادى برأيه الى "اقفال الكثير من المؤسسات والشركات كليا، فيما قلص بعضها حجم اعماله بإقفال بعض فروعه".

أما المؤسسات التي لا تزال تعاند الواقع، فإنها غالبا ما تدفع من رساميلها الخاصة لتدعم استمراريتها، على ما يقول رمال "وذلك بعد التراجع الحاد في المبيعات وتاليا الارباح، علما أن معظم المؤسسات عمدت الى تقليص عدد ساعات العمل بغية الحد من المصاريف الجارية وخصوصا تكاليف المولدات".

ويشير رمال الى أن أصحاب العمل "هم من صلب المجتمع ويتفهمون وضع موظفيهم وعمالهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة وتراجع القدرة الشرائية، من هنا يقوم هؤلاء بالتصحيح التلقائي والشهري للعمال والموظفين كل بحسب قدرة مؤسسته، وكذلك بحسب القطاعات".

وأكد أن الحوار بين الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية "ايجابي ومستمر برعاية وزارة العمل، وثمة تحضيرات لزيادة معيّنة قد تدخل في صلب الراتب التي سترفع حتما مداخيل الضمان الاجتماعي".

أظهرت دراسة أعدتها "الدولية للمعلومات" انّ "نسبة غلاء المعيشة وصلت، منذ بداية العام 2020 وحتى نهاية شهر آب 2022، إلى 272%، وفقاً للبيانات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي". وبيّنت أن الكلفة الأدنى لمعيشة أسرة #لبنانية مؤلفة من 4 أفراد، تراوح ما بين 20 مليوناً و26 مليون ليرة شهريا بالحد الأدنى، وبمتوسط 23 مليون ليرة شهريا". وهذا الرقم أعلى من الرقم الذي يطالب به الاتحاد العمالي العام للحد الادنى للاجور، اي 20 مليون ليرة. وإذا كان "العمالي" يدرك أن هذا الرقم صعب المنال، بيد أن رئيسه بشارة الاسمر يقول: "نحاول رفع الرقم حتى نحصل على أقصى ما يمكن تحقيقه". وهو إذ يقر بتراجع اعمال القطاع الخاص، إلا أنه يؤكد لـ"النهار" ان "ثمة قطاعات تعمل بشكل جيد وتجني أرباحا طائلة بالدولار، وتاليا عليها أن تدفع لموظفيها أقله للعيش بالحد الادنى المطلوب"، لافتا الى أن "بعض اصحاب العمل يدفعون الزيادات للموظفين ولكنهم يتهربون من التصريح للضمان بالراتب الحقيقي، علما أن الحد الادنى المطلوب التصريح عنه في الضمان هو 2.6 مليون ليرة". وإذ كشف أن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقّع أمس مرسوم زيادة الـ 600 ألف ليرة ورفعه الى رئيس الجمهورية الذي سيوقعه بدوره، ومن ثم يُنشر في الجريدة الرسمية، أشار الى أن "ثمة توافقا مع رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير على زيادة بدل غلاء المعيشة، على اعتبار أن سعر صرف الدولار كان 26 ألف ليرة عندما أقرت الـ 600 ألف ليرة، وتاليا يجب اعادة النظر بغلاء المعيشة وبدل النقل والمنح المدرسية والتعويضات العائلية". وأعلن في هذا الاطار أن "لجنة المؤشر ستجتمع الخميس المقبل، على أن يعقد اجتماع آخر الاسبوع المقبل في السرايا الحكومية مخصص للقطاع العام للبحث في سلسلة رتب ورواتب جديدة وغلاء معيشة".

تعويضات الضمان على اي سعر صرف؟

وفي وقت بدأت بعض المؤسسات تسديد رواتب موظفيها بالدولار، برزت معضلة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيال كيفية استيفاء الاشتراكات عن الرواتب المحددة بالعملة الاجنبية. وفي هذا الاطار علمت "النهار" أن الصندوق طلب رأي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل بواسطة سلطة الوصاية، اي وزارة العمل، للجواب على كيفية استيفاء الاشتراكات عن الرواتب المحددة بالعملة الاجنبية، وهذا الامر أثاره رئيس مصلحة القضايا في الضمان صادق علوية الذي أوصى باعتماد السعر الفعلي لصرف الدولار حين التسديد سنداً للقيمة التي انتفع بها الاجير وليس تلك الافتراضية. الا ان رأي هيئة التشريع (الرقم الاساس 144 / 2021 - رقم الاستشارة 179/2021) جاء واضحا بوجوب اعتماد سعر صرف 1507 ليرات. لكن الضمان الاجتماعي، وسنداً لرأي علوية، عاد وراسل مجددا ديوان المحاسبة للوقوف على رأيه كونه يتولى الرقابة المالية على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الامور المالية، فصدر الرأي الاستشاري (الرقم 42 / 2021 تاريخ 8 - 9 - 2021) بوجوب اعتماد سعر صرف 1507 ليرات.

امام هذه المعضلة، تؤكد مصادر قانونية أنه "بات أمام الاجير حل منفرد، وهو التقدم بدعوى امام القضاء المختص لاعادة الاحتساب على اساس السعر الفعلي للدولار كي يصدر قرار ملزم لرب العمل، لا سيما انه بات الآن يكسب على حساب أجيره". وشددت المصادر على "ان ظروف الرأي الصادر عن ديوان المحاسبة تبدلت، وتاليا لا حرج من الركون الى رأيه مجددا خصوصا ان الدولة تتجه لاعتماد سعر الصرف الواقعي"، مستندا بذلك الى "نظرية تبدل الظروف في العمل الإداري، مع التأكيد ان سعر الصرف الرسمي لغاية الآن غير محدد على الإطلاق لا بسعر صرف 1500 ولا بغيره من تلك الصادرة في تعاميم عن مصرف لبنان".