تضخيم الشكوك غير واقعي ولا عودة إلى الوراء

لا تُقلّل مصادر سياسية في لبنان من اهمية تكرار امين عام المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي لاريجاني منذ تعيينه في هذا المنصب مجددا، وعلى نحو مستفز للبنان واللبنانيين لتدخل ايران في شؤونهم، استمرار دعم "حزب الله " وحاجة ايران اليه كما حاجته الى ايران. فالامر لا يبدو مستغربا في هذه المرحلة بالذات بالنسبة الى لاريجاني الذي يسعى الى اثبات قدرته على قيادة المرحلة الجديدة المضطربة في ايران من خلال اعادة تحديد ركائز الاستراتيجية الايرانية في المنطقة التي تسمح لها بالتمتع بموقع قوة وامتلاك اوراق تفاوض قبل حسم الذهاب الى مفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية على رغم الواقع الايراني المختلف جدا عن السابق، وفي وقت تواجه ايران استحقاق اعادة فرض عقوبات اممية عليها وفقا لالية " SnapBack " التي تواجه ايران احتمال تفعيلها ما لم تحسم قرارها بالمفاوضات قبل نهاية الشهر الجاري.

وهذا الاصرار الايراني على التدخل المباشر في شؤون لبنان يضع العلاقات اللبنانية الايرانية على نقاط توتر عالية تخاطر بها ايران مع المواقف الحازمة التي تبلغها لاريجاني في زيارته الاخيرة من كل من رئيسي الجمهورية والحكومة في لبنان. ولكن الاهم ان ايران عاجزة عن توفير الدعم للحزب كما تزعم راهنا، على رغم اقرار هذه المصادر بان اموالا كبيرة لا تزال تصل الى الحزب من الخارج باساليب مختلفة

 

ولكن الواقع العملاني بالنسبة الى هذا الاخير مختلف على خلفية مجموعة اعتبارات قد يكون ابرزها ان الستاتيكو الحالي الذي يدفع الحزب في اتجاه استمراره حول بقاء وضعه كما هو يدفع في اتجاه واقع الاحتلال الاسرائيلي والانتهاكات الاسرائيلية كما هي ايض . وهو امر قد يناسب الحزب لجهة امرين احدهما ان استمرار اسرائيل يبرر له الاحتفاظ بسلاحه ويقوي منطقه والاخر ان هذا الواقع قد يشتري له وقتا يستطيع من خلاله اعادة هيكلة قيادته ووحداته مطمئنا الى معلومات متداولة تسري على نطاق واسع ان اسرائيل لن تقوم بحرب جديدة ضد لبنان كما فعلت قبل ما يقارب السنة بل ان ما تقوم به راهنا من استهدافات لعناصر موالية له او لمواقع مختلفة هو اقصى ما ستقوم به في هذه المرحلة وانشغال اسرائيل بغزة.

المصادر السياسية المعنية لا ترى في السيناريو الذي يدفع به الحزب الى الواجهة احتمال اي نجاح يذكر، بما في ذلك التهديد بالحرب الاهلية. فالحزب يعيش اضطرابا داخليا وتحديا كبيرا من حيث عدم قدرته حتى الان على تأمين تواصل طبيعي بين اركان قيادته من اجل عقد اجتماع مثلا نتيجة المخاوف من استهداف اسرائيلي توفره اي اشارة منها لتكرار مجزرة البيجر او تحديد مواقع قياداته. فيما انه فوجىء فعلا باصرار الحكومة اللبنانية على اتخاذ قرارها الحاسم بحصرية السلاح في جلسة 5 آب في ظل عدم قدرته على تعطيلها، ما عكس مشهدا متغيرا في البلد لم يكن يرغب في تظهيره عن تراجع تأثيره ونفوذه . كما انه من المستبعد الى حد كبير ان يمتلك القدرة على اعادة بناء وحداته بمستوى الكفاءة التي كان يوحي بانه يتمتع بها في السابق. فيما انه لا يجب الاستهانة في المقابل اولا باصرار السلطة في لبنان على استعادة قرارها في ظل دعم اقليمي حاسم باستثناء ايران المغردة خارج دعم لبنان الدولة، وبدعم دولي الى جانب الاجماع الداخلي في هذا الاتجاه، والذي يؤمن نواة صلبة توفر زخما وتوازنا مختلفا. كما لا يجوز الاستهانة بقرار السلطة بحصرية السلاح والذي يعني عمليا نزع اي شرعية عن اي قوة اخرى خارجها تملك سلاحا مما يفترض ان يحصر التواصل بالدولة من دون سواها. فحين تلحظ فرنسا في مسودة مشروعها للتجديد للقوة الدولية في الجنوب سنة اضافية الترحيب " بجهود الحكومة اللبنانية لممارسة سيادتها على كامل أراضيها، من خلال القوات المسلحة اللبنانية، وعدم الاعتراف بأي سلطة سوى سلطة الحكومة اللبنانية" ، فهذا يعني التزاما حتى من فرنسا المتساهلة دوما ازاء الحزب مع نظرية حتمية ابقاء قنوات الحوار معه باستمرار بالمعطى الجديد كذلك.

ويقابل ذلك ايضا استمرار الاهتمام الاميركي ببنود محددة لا تبدل منها تصريحات للموفد الاميركي توم براك تبدو متناقضة او متساهلة فيما تشكل الورقة الاميركية جزءا من استراتيجية سعودية عربية وغربية لا يبدو ان هناك مجالا للعودة عنها في المدى المنظور وتشمل مستويات عدة من مستقبل التعامل مع لبنان وموقعه في المنطقة. وتاليا هذا يدفع في اتجاه تقليل هذه المصادر من الشكوك ازاء المرحلة المقبلة لا بل تبدي اندهاشها من مستوى هذه الشكوك انطلاقا من ثقتها بان لا عودة الى الوراء في قرار الدولة اللبنانية استعادة قرارها ، ولا مخاوف لديها من حرب اهلية هدد بها الحزب لغياب العناصر لذلك وحتى لصدام بين الجيش اللبناني والحزب على خلفية مقاربة استيعابية من الدولة له وليست صدامية من دون استبعاد حدوث اشكالات او صدامات محدودة قد يفتعلها البعض.

وفي هذا السياق، يجدر التوقف عند ما ينقل عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تحديدا من ثقته الكبيرة بمسار ايجابي للدولة ولو انه تدريجي ( incremental) على حد تعبيره .