المصدر: أساس ميديا
الكاتب: جوزفين ديب
الجمعة 8 كانون الاول 2023 08:01:03
في عام 2006 انتهت حرب تموز بإصدار القرار الأممي 1701 تحت الفصل السادس، لكن بلهجة الفصل السابع. فوُصف بأنّه قرار تحت فصل سابع مقنّع. وعلى الرغم من نتيجة الحرب يومها التي حقّق فيها الحزب "انتصاراً" بتثبيت ميزان قوة جديد بين لبنان وإسرائيل، إلا أنّ القرار 1701 شكّل صفعة دبلوماسية للحزب لما فيه من بنود تمسّ بجوهر وجود ودور سلاحه.
بعد حرب 2006 اقتصر تطبيق القرار على وقف العمليات الحربية وانتشار قوات اليونيفيل في جنوب لبنان وانتشار الجيش اللبناني أيضاً، فيما بقيت البنود الأخرى معلّقة بدءاً بعدم انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلّة والاستمرار في خروقاتها، وصولاً إلى عدم انسحاب قوات الحزب من جنوب الليطاني.
بعد أكثر من سبعة عشر عاماً على صدور القرار، يبدو أنّ عملية 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)، التي قامت بها حركة حماس، قد افتتحت مرحلة جديدة في المنطقة تنطلق من أمن إسرائيل وتأمين حدودها، وصولاً إلى إعادة رسم خطوط الاشتباك الأميركي الإيراني في المنطقة.
واحدة من أهمّ ساحات الاشتباك هي الحدود الجنوبية اللبنانية، وهي التي يسعى المجتمع الدولي حالياً إلى ضبطها تحت عنوان العودة إلى تطبيق ما لم يطبَّق من القرار 1701، وربّما الرسالة الأهمّ والأخطر التي تصل من كلّ مكان، من إسرائيل على لسان وزير حربها يوآف غالانت، ومن الموفدين الدوليين إلى لبنان وآخرهم الفرنسي برنارد إيمييه، هي تطبيق القرار بالتراضي "وإلا فإنّ الضربة العسكرية على الحزب مقبلة قريباً".
فرنسا حاملة القلم تعود إلى الواجهة
عام 2006 لعبت فرنسا، بصفتها "حاملة القلم" للبنان في الأمم المتحدة، الدور الأهمّ في التحضير وصياغة القرار 1701. ومنذ ذلك الوقت استقرّت الجبهة الجنوبية بسلام من دون استكمال تنفيذ بنود القرار.
اليوم تعود فرنسا للعب دورها التاريخي في لبنان انطلاقاً أوّلاً من تعزيز وجودها ودورها بعد النكسات الدبلوماسية التي مُنيت بها، وثانياً على اعتبار أنّها الدولة التي حافظت على علاقة مباشرة مع الحزب سمحت لها بالتفاوض المباشر معه في أكثر من استحقاق، سواء أكان في قرارات الأمم المتحدة المتعلّقة بشروط التجديد لقوات اليونيفيل، أم في مؤتمرات الحوار التي استضافتها وتمثّل فيها الحزب، أم في الاستحقاق الرئاسي، وصولاً إلى اليوم في استكمال تطبيق القرار الدولي 1701.
في الزيارتين الفرنسيّتين الأخيرتين ثابتة يجب الانطلاق منها، وهي أنّ الموفدين: السياسي جان إيف لودريان، والأمني برنارد إيمييه، وصلا بيروت في مهمّة واحدة وتحت عناوين مشتركة:
- استقرار الجبهة الجنوبية.
- القرار 1701.
- الجيش اللبناني.
- وانتخابات رئاسة الجمهورية.
غير أنّ الدور الذي تلعبه فرنسا حالياً ليس يتيماً، بل هو محصّن بدعم أميركي سعودي، على أن يكون الجانب الفرنسي مفاوضاً للحزب لتثبيت خريطة سياسية وأمنيّة جديدة، عنوانها تطبيق القرار الأممي ببنوده الأمنيّة. أي انسحاب الحزب من جنوب الليطاني مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة. وفي حال عصيان تطبيق القرار فإنّ ما تقوله إسرائيل بلغة التهديد المباشر، يقوله الموفدون بلغة التهديد الدبلوماسي، انطلاقاً من حتمية القيام بضربة أمنيّة للحزب تعيده إلى شمال الليطاني وتطوّق دوره وسلاحه وتضعف نفوذه في الداخل أيضاً.
الحزب: لا ثقة بأيّ ضمانات دوليّة
في المقابل، لا يُحسد الحزب على موقفه هذا. هو مطوّق دولياً ومحلياً:
- دولياً في ضغط الموفدين، ومن بينهم الأميركي آموس هوكستين الذي حضّر الأرضية لما يطرح اليوم، في خلال زيارته الأخيرة لتثبيت الحدود البريّة الجنوبية.
- ومحلّياً في مواقف القوى السياسية المختلفة، مسيحياً وسنّياً، الداعية إلى الالتزام بالقرار الدولي. وربّما ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن أنّ الأشهر الثلاثة المقبلة ستشهد مفاوضات في الأمم المتحدة لتنفيذ القرار 1701 وترسيم الحدود خير دليل على عنوان المرحلة. وسط معلومات عن أنّ كلام ميقاتي يعكس توافقاً دولياً لبنانياً لن يكون الحزب بعيداً عنه أيضاً. وربّما كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن قرار الحرب والسلم ودور الجيش في الجنوب وضرورة تطبيق القرار 1701، خير دليل على أنّ المواجهة داخلية أيضاً. وفي المعلومات أنّ الضغط الذي تقوم به بكركي والبطاركة الكاثوليك في العناوين الداخلية، الجيش والرئاسة والقرار 1701، ينطلق من توجّه فاتيكاني واضح بذلك.
في خضم هذا التصعيد، يكشف مصدر دبلوماسي لـ"أساس" أنّ ستاتيكو "اللاحرب" لا يزال يحكم المشهد بين إسرائيل ولبنان. فالولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية سبق أن أكدتا عدم رغبتهما بخوض حرب في لبنان. وبالتالي فإنّ هذا التهديد العالي السقف الذي يلوّح بالحرب يمكن أن يوضع في خانة الضغط على الحزب لتنفيذ القرار 1701. إلاّ أنّ مسار الإشتباك يمكن أن ينتهي بتفاوض دبلوماسي للوصول إلى تسوية مرضية لكل الأطراف. فالأمين العام للحزب سبق أن قال في مقابلة تلفزيونية عام 2013 أنّ القرار 1701 كان ظالماً للحزب وهو لم يوافق عليه في مجلس الوزراء. لكنّه وافق عليه لوقف الحرب. وهذا يمكن تكراره اليوم.
أمّا الحزب فيعتبر، وفق مصادر مقرّبة منه، أنّ هذا التطويق يمسّ عمق وجوده، لا سيما أن لا ضمانة لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة، ولا ضمانات لوقف اعتداءاتها وخروقاتها.
وفيما يخصّ سلاحه، الذي ينصّ القرار الأممي على دمجه مع الجيش اللبناني، فيعتبر الحزب أنّه جزء من البيانات الوزارية، ومن الاستراتيجية الدفاعية التي يُفترض أن تطاله وستُناقَش على طاولة رئيس الجمهورية المقبل. وقد عبّر الحزب عن انفتاحه على المشاركة فيها أكثر من مرّة.
في انتظار نتائج حرب غزّة
في مقابل كلّ هذا الضغط، ينتظر الحزب نتائج حرب غزة وما سيُبنى عليها، مدركاً أنّ التوازنات السياسية متغيّرة، وأنّه سيكون جزءاً منها، لكنّه غير مستعدّ لأيّ تراجع غير مشروط أو مضمون، ولا سيما أنّ أيّ تسليم منه لن يترجَم في الداخل اللبناني مكتسبات على مستوى الجمهورية ورئاستها، كما تتحدّث مصادر دبلوماسية.
الضغط الدولي، الذي يمارَس على الحزب حالياً، سيُستكمل بزيارة لوفد أمنيّ سياسي فرنسي لتل أبيب، للعمل على تسوية استقرار الجبهة مع لبنان وانتزاع ضمانات إسرائيلية بالتزامها البنود المتوجّبة عليها من القرار، وهي انسحابها من الأراضي المحتلّة ووقف خروقاتها المستمرّة.
لن تكون تطوّرات المنطقة نزهة في تاريخ الصراع مع إسرائيل الذي أصبح عنواناً أوّل عالمياً. بل إنّ كلّ المصادر السياسية والدبلوماسية تُجمع على أنّنا أمام مفترق طرق سيغيّر معالم المشهد السياسي والأمني الحالي باتجاه آخر.
في هذا الوقت تشهد الساحة الداخلية لقاءات لتطويق التهديد الدولي والعمل على استقرار الساحة اللبنانية والسلم الأهلي فيها. وربّما أسهل الحلول ما نُشر عن إمكانية أن يتوجّه الحزب للقيام بعرض تسوية بالعودة إلى ما قبل 7 أكتوبر وانسحاب قوات النخبة لديه، "الرضوان"، من جنوب الليطاني واستمرار المقاومة من "الجيش والشعب". وهي تسوية شبيهة بالتي حكمت التطبيق الجزئي للقرار 1701 طوال الأعوام الماضية، لكن بإضافة تثبيت الحدود البرّية لمزيد من ضمان استقرارها.
وحتى ذلك الحين فإنّ لبنان واقع على فوهة بركان من النار... ينتظر انفجارها في أيّ وقت.