تطرف مناخي وجفاف: هل تنفع صلاة الاستسقاء لري عطش اللبنانيين؟

في بلدٍ يُغرِق نفسه بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية، تأتي مشاكله المناخية كأنها "النقطة التي فاضت بها الكأس". فقد صار الصيف شتاءً والشتاء صيفاً، على ما يقول البعض تهكّماً وسخطاً على عدم بدء المطر، ويرددون: "إذا غضب الله على قومٍ جعل صيفهم شتاءً وشتاءهم صيفاً".

مع تأخّر هطول الأمطار هذا العام، دعت المديرية العامة للأوقاف الإسلامية جميع أئمة وخطباء المساجد إلى إحياء صلاة الاستسقاء في مختلف المناطق اللبنانية، في مشهدٍ يعكس عطش الأرض والناس معاً. ولجوء رجال الدين إلى هذه الصلاة، على اعتبار أن عدم هطول المطر أمر رباني وليس ناتجاً عن عوامل مناخية ساهم الإنسان في ترسيخها، ليست هي المرّة الأولى؛ بل إنّ هذه الصلاة تقام منذ زمن. فهي سُنّة مؤكّدة تُقام عند اشتداد الحاجة إلى المطر، خشية الجفاف وجدب الأرض وتضرّر الزراعة، واستسقاءً لرحمة السماء حين تضيق الأرض بما رحبت.

موسم مقلوب

قلّت الأمطار واشتدّ الجفاف في ظاهرة لم تعد عابرة في لبنان وفي مناطق أخرى من العالم؛ بل باتت تتكرّر وتترسّخ عاماً بعد عام. فمنذ نحو عقدٍ من الزمن، يشهد المناخ تغيّرات حادّة تعصف بدورته الطبيعية، وتضاعف أثر الانهيار البيئي الذي يواكب الانهيار الاقتصادي والإداري.

في هذا السياق، يقول الدكتور جورج متري، مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، لـِ "المدن": "لبنان يقع في شرق البحر الأبيض المتوسط. وهذه المنطقة تشهد منذ سنوات تطرّفاً مناخياً متزايداً، يتمثّل في تأخّر فصل الشتاء وتمدّد موسم الجفاف لفترات أطول".

ويشرح متري أنّ هذه "التحوّلات ليست مجرد ظواهر موسمية؛ بل هي خلل بنيوي في نظام المناخ الإقليمي. فخلال السنوات العشر الأخيرة، حصل اضطراب واضح في المواسم: أحياناً يبدأ موسم الأمطار متأخراً جداً، وأحياناً ينتهي متأخراً. لكن المشكلة الأساسية أنّ بدايته المتأخرة تُحدث خللاً في دورة الزراعة والغطاء النباتي وتجديد المياه الجوفية".

التربة عطشى والثلج نادر

في لبنان، لا تقتصر المسألة على الجفاف وحده؛ بل يشرح متري، أن "انخفاض رطوبة التربة أصبح واضحاً. وعدد أيام تراكم الثلوج في المرتفعات تراجع على نحوٍ كبير، وهذا ما انعكس مباشرةً على الثروة المائية". أما السبب الجذري،  فهو "التغيّر في الأنماط الجوية العالمية، التي تؤثر على شرق المتوسط على نحوٍ مباشر."

ويُذكّر متري بدراسة أجرتها جامعة البلمند في العام 2013 قارنت فيها المعطيات المناخية لعشرين عاماً مع التوقّعات بين العامين 2020 و2040، فبيّنت أنّ "المناطق الجبلية والشمالية في لبنان ستكون الأكثر عرضة للجفاف، وخصوصاً جبال لبنان العالية التي كانت تُعرف بتراكم الثلوج فيها."

الزيتون حزين والغابات تموت

منذ العام 2020، بدأ لبنان يشهد تزايداً في الحرائق في مناطق لم تعرفها من قبل، "لأنّ نسبة الرطوبة كانت مرتفعة سابقاً"، كما يقول متري.

تأخّر الأمطار يعني أيضاً "انخفاض تغذية المياه الجوفية، وجفاف أغلبية الينابيع والأنهار، وتأثّر الزراعة، ولا سيّما الزيتون الذي يعتمد على رطوبة الخريف". ويتابع: "حتى الأشجار الحرجية، المفترض أنها أكثر صلابة مثل السنديان والصنوبر، بدأت تُظهر علامات تيبّس وإجهاد، فتخسر زهرها وتضعف مناعتها ضدّ الآفات والأمراض."

ويمضي قائلاً: "لا شيء يعوّض الخسائر فعلاً، لكن يمكننا التعامل مع الوضع تعاملاً أفضل، عبر استصلاح الأراضي المتدهورة، وتوعية المزارعين والمجتمعات المحلية للتكيّف مع الواقع الجديد، وتعزيز برامج الوقاية من الحرائق."

حين يستسقي الناس

وفي الوقت الذي يُحاول فيه العلماء تفسير الجفاف بلغة الأرقام والدراسات، يلجأ آخرون إلى السماء مباشرةً.
الشيخ أسامة شهاب يقول لـِ "المدن" إنّ "السماء والمطر والماء بيد الله، وبما أنّ البلد والناس تعاني من قحطٍ وجفافٍ وقلة مياه، لا بدّ من التدخل الرباني، ولهذا شُرعت في الشريعة صلاة الاستسقاء".

ويشرح شهاب أنَّ هذه الصلاة "عبارة عن ركعتين، يقف الإمام ويرفع يديه، ويصلي صلاة جهرية يتخللها دعاء عند الركوع، وتردّد الناس وراءه، وعند السجود يطيل السجود قبل التسليم".

بين العلم والإيمان

بين دعاء السماء وتحاليل الأرض، يعيش اللبنانيون مفارقة موسمٍ لا يُشبه نفسه.
فالعلماء يتحدثون عن تغيّر مناخي عميق يضرب دورة الطبيعة في أساسها، والدعاة يرفعون أيديهم طلباً للغيث. وفي الوقت الذي تتناوب فيه الغيوم على الغياب، يبقى السؤال معلّقاً فوق البلاد: هل أمطرت السماء قليلاً لأنّ الأرض تغيّرت، أم لأنّ الإنسان نفسه أفسد توازنها؟