تطمينات أميركية للبنان بحلّ المسائل العالقة مع إسرائيل دبلوماسياً

غداة الانسحاب المنقوص للجيش الإسرائيلي من جنوب الليطاني، بدتْ بيروت عيناً على تثبيتِ تل أبيب «بلا تأخيرٍ» بندَ «حرية الحركة» لإزالة أي تهديد وشيك أو في طور التشكّل الذي «فازتْ» به بموجب «كتاب الضمانات» الأميركي لها والملحَقِ باتفاقِ وقف النار بينها وبين لبنان، وعيناً أخرى على تفعيل «القتال الدبلوماسي» الذي اختارتْه «بلاد الأرز» لإدارة تحدّي الاحتلال الجديد بما يساعد على تأمين «هبوط ناعم» لملف سلاح «حزب الله»، الذي يشكّل جوهرَ مرحلة ما بعد الحرب وتعقيداتها البالغة الحساسية.

وفي الوقت الذي ضغطتْ إسرائيل، أمس، «على زرّ» حرية العمل العسكري في الأجواء اللبنانية (تعتبر أن صلاحيته مرتبطة بانتهاء الوجود العسكري لـ «حزب الله» بغارةٍ في منطقة عيتا الشعب أعلنتْ أنها استهدفتْ «ناشطاً عسكرياً لحزب الله (يوسف محمد سرور) تم رصْدُه يتعامل مع وسائل قتالية»، معلنة بلسان أفيخاي ادرعي «أن الجيش يواصل العمل لإزالة أي تهديد وفق التفاهمات بين إسرائيل ولبنان»، بدا أن «التحرير بالدبلوماسية»، الذي اعتمدتْه بيروت مع إعلائها «لا لخيار الحرب» يقف أمام اختبارٍ فعلي لمدى فاعلية شبكة الضغط السياسي الذي تحبكه مع عواصم القرار في تحقيق الانسحاب الكامل من التلال الخمس التي بقيت تحت الاحتلال، وهو الهدف الذي يَصطدم بـ«رياحٍ معاكِسة» مصدرها عنوان إنهاء الوجود العسكري للحزب خارج الشرعية ونزْع سلاحه والذي جعلتْه تل أبيب شرطاً لمغادرة النقاط الحدودية الإستراتيجية التي تقيم واقعياً شريطاً عازلاً.

وفي حين لم تتوانَ إسرائيل عن رفْعِ ساتر ترابي جديد قرب ساحة بلدة العديسة الحدودية (في خلة المحافر) التي تقع ضمن نطاقها إحدى التلال الخمس التي بقيت تحت الاحتلال (تلة العويضة)، فإنّ لبنان الرسمي رَفَعَ منسوب السعي إلى «تفكيك» الألغام المتشابكة التي يُخشى أن تتحوّل «برميلاً» ينفجر، إن لم يكن حرباً جديدة بين تل أبيب و«حزب الله»، فتوتراتٍ داخلية تتغذّى من فتيلِ الاحتلال المناقض لاتفاق وقف النار والذي يتداخل مع «صاعق» الإعمار الذي بات واقعاً:

* بين مطرقةِ موقف خارجي يربط ضخّ أموالٍ للإعمار بأن يكون ذلك «لمرة واحدة وأخيرة»، بمعنى أن ما سيُدفع من جيوب «دافعي الضرائب» ينبغي أن يكون مضموناً أنه سيأتي من ضمن مسارٍ أكيد لطيّ صفحة الحروب مع إسرائيل «إلى غير رجعة»، ما يعني عملياً وجوب إنهاء وضعية سلاح «حزب الله» خارج الدولة.

* وبين سندان «رقابة بالنار» إسرائيلية على أي إعمارٍ، أو تسليح، بأموال إيرانية تصل إلى «حزب الله» وخصوصاً عبر مطار بيروت الذي صار تحت تهديد الاستهداف بحال استُخدم منصة في هذا الإطار، وهو ما استجرّ أزمة الطيران الإيراني التي استدرجت تعليق الرحلات بين بيروت وطهران حتى إشعار آخَر.

ورغم أن «حرب لبنان الثالثة» أضعفتْ «حزب الله» بما كان كافياً أن يُسَبِّبَتأثير «الدومينو» بسقوط بشار الأسد في سورية من ضمن ضمورٍ شامل للمحور الإيراني في المنطقة، فإنّ الخشيةَ تزداد من احتقاناتٍ في «بلاد الأرز» في ضوء عدم إظهار الحزب إشاراتٍ إلى أنه مستعدّ للتخلي عن سلاحه، بل على العكس ثمة اقتناع بأنه سيستخدم «احتلال التلال»، لإحياء سردية المقاومة، رغم شطْب الشرعية السياسية عنها في البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، وسط اقتناعٍ بأن إرجاء رئيس البرلمان نبيه بري جلسة مجلس النواب للتصويت على الثقة إلى الثلاثاء والأربعاء، المقبلين ينطوي على رغبةٍ في إمرار مشهدية تشييع السيد حسن نصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين الأحد والتي يريدها الحزب أن توجّه رسالة بأن «سطر المقاومة»، الذي أُسقط من البيان تقابله بتسطير مشاهد هادرة بعنوان «نحن هنا ولم ننتهِ».

ولم يكن عابراً، أمس، الاتصال الذي تلقّاه الرئيس اللبناني العماد جوزف عون من مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز (كان في عِداد الوفد الأميركي الذي قاد محادثات مع الوفد الروسي في الرياض تمهيداً لقمة دونالد ترامب - فلاديمير بوتين) الذي أكد متابعة الإدارة الأميركية للتطورات في الجنوب، بعد الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية واستمرار احتلالها لعدد من النقاط الحدودية.

وأشاد والتز بالدور «الذي لعبه الجيش اللبناني في الانتشار في المواقع التي أخلاها الإسرائيليون»، مؤكداً «أن الولايات المتحدة ملتزمة تجاه لبنان بالعمل على تثبيت وقف النار، وحل المسائل العالقة دبلوماسياً»، ومشدداً على «أهمية الشراكة اللبنانية-الأميركية وضرورة تعزيزها في المجالات كافة».

من جهته، أكد عون «الموقف اللبناني بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي من النقاط المتبقية واستكمال تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر لضمان تعزيز الاستقرار في الجنوب وتطبيق القرار 1701»، مشدداً على «الإسراع في إعادة الأسرى اللبنانيين المعتقلين في إسرائيل».

وفي الوقت الذي حضر ملف لبنان في اجتماع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حيث بحثا «التحديات المتبقية في غزة وسبل تعزيز الاستقرار في سورية ولبنان وكل المنطقة»، حرصت السفيرة الأميركية ليزا جونسون على تأكيد أن لقاءها، أول من أمس، مع وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي تخلله بحث «سبل تعزيز العلاقات الثنائية والالتزام المشترك بالتنفيذ الكامل لترتيبات وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 1701 وقرارات مجلس الأمن السابقة»، في غمزٍ من قناة القرار 1559 ذات الصلة بسلاح «حزب الله»

وكان الرئيس عون، الذي يستعدّ لجولة عربية بعد أن تنال الحكومة الثقة ويُرجّح أن تبدأ كما وعَدَ من الرياض، أكد خلال استقباله السلك الدبلوماسي العربي «أن لبنان سيبذل كل جهد ممكن من خلال الخيارات الدبلوماسية ودعم الدول العربية والصديقة، لتحرير أرضه من الاحتلال الاسرائيلي»، شاكراً لهذه الدول دعمها للبنان، ومنوهاً بمشاركة السعودية وقطر ومصر في اللجنة الخماسية التي ساهمت في إنهاء الشغور الرئاسي.

وذكَّر عون بما قاله مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حول أن لبنان هو شرفة العرب، مؤكداً أنه سيعود شرفة العرب بدعم الدول العربية، مجدداً تأكيد «أن لبنان لن يكون بعد اليوم منصة للهجوم على الدول الصديقة والشقيقة، ولا سيما الدول العربية».

وكان عدد من السفراء العرب الحاضرين تحدّثوا فأكدوا على دعم بلدانهم للبنان في مرحلة النهوض التي يتطلع إليها، معبّرين عن أملهم بعودة لبنان للعب دوره الفعال في محيطه.