المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الجمعة 8 أيلول 2023 16:55:29
كتبت فرح منصور في المدن:
إن طبعت اسم "كارلوس غصن" على أي محرك بحث، غالبًا ما ستظهر صور لرجل ستيني، ببزةٍ رسميّة تشي بطبقته الاجتماعية الرفيعة، مرفقة بعناوين أشبه بالقصص البوليسيّة والأفلام الوثائقية، التّي تروي سير الأفراد بإنجازات وسمات فوق العادة. وغصن، رجل الأعمال اللبناني والبرازيلي (والحامل للجنسية الفرنسيّة أيضًا) ذائع الصيت في العالم، وخصوصاً في اليابان وتركيا ولبنان، وهو الذي تمكن بدهاءٍ من الاختفاء من طوكيو والظهور بغتة في بيروت، بمشهدية أقرب للخدعة الهوليوودية التّي لا يفسرها المنطق ولا يتقبلها العقل، ولا يزال القضاء الأجنبي ومنذ عام 2019، يلاحق ملابسات "خدعته" هذه، لملاحقة كل متورط فيها وضمنًا غصن.
تحقيقات تركية
يتداول البعض قضائيًا أن هناك بعض المعطيات من الجانب التركيّ قيد التحقيق بالتعاون مع الجانب اللبناني، خصوصًا أن غصن في رحلة هربه من طوكيو إلى بيروت قد مرّ بتركيا، وتحديدًا إسطنبول، ذلك قبل مساء 31 كانون الأول عام 2019 (تاريخ وصوله إلى لبنان). وعليه، فقد تحدثت بعض المصادر عن تحقيقات أُجريت على يدّ القضاء اللبناني، بعدما تبين للقضاء التّركي أن مجموعة أفراد، ومن بينهم لبنانيون، متورطون بتهريب لاجئين، ومن ضمنهم غصن، في طائرات خاصة، عام 2019.
مسار التهريب
استرسلت المصادر بالشرح، بأن الجانب التركي تبين له أن إحدى هذه الطائرات الخاصة، التّي انطلقت من مطار أتاتورك باتجاه بيروت، اختلفت أسماء ركابها عن الأسماء المُسجلة في بيانات الرحلة الجويّة، أي كانت أسماء وهمية. وتم الاشتباه بطيار لبناني، يدعى (ن. م.) وهو المدير التنفيذي لإحدى شركات الطيران الخاص، وتعمل على تأجير الطيارات الخاصة، وتأمين الخدمات الأرضية لمجموعة من الشركات الأخرى. وجاء الاشتباه بالطيار على خلفية معطيات تركية، أفادت بتواجده وبالتوقيت نفسه في مطار أتاتورك، وتمّت مشاهدته من قبل شهود عيان، يُسلم ظرفاً مغلقاً (رجحت المصادر بأنه يحوي مالاً) لشخص آخر متهم أيضًا بتهريب غصن، وهو المدعو أوكان كوسامين، المعروف بأنه مسؤول كبير في إحدى شركات الطيران الخاصة، والذي سبق للمحكمة التركية في اسطنبول أن حكمت عليه بجرم تهريب لاجئين. وهي المحكمة نفسها التي حكمت على ثلاثة أتراك بالسجن لإدانتهم بمساعدة غصن.
مساعدة جماعية؟
السلطات التركية ذكرت سابقًا اتهامها لكوسامين بالتعاون مع مجموعة من الأشخاص لتهريب غصن، كما وتمّ الاشتباه بطرفٍ ثالث وهو المدعو "جورج الزايك"، الذي تعرفت عليه كاميرات المراقبة في مطار أوساكا الدولي-اليابان، برفقة المدعو "مايكل تايلر" وابنه بيتر، الأميركيين، اللذين سبق وأن اعترفا وحوكما بتهمة التورط بعمليّة تهريب كارلوس غصن، وهو الأمر المعروف منذ عام 2020، حين أفادت المعلومات من القضاء الأجنبي آنذاك بأنهما انتحلا والزايك صفة موسيقيين، لتهريب غصن وإخفائه في صندوق معدات موسيقية خشبيّ، بعد أن انتهيا من حضور حفل موسيقي في اليابان.
وبعد نجاح خطة التهريب من طوكيو، وصل المهربون وغصن إلى مطار إسطنبول، وكانت بانتظارهم طائرة خاصة باتجاه بيروت في 30 كانون الأول.
تتضارب الروايات خلال التحقيقات في هذه القضية مع الحقائق التي توصل إليها القضاء التركي والياباني، حيث يُتهم تايلور بأنه المدبر الأساسي في عملية تهريب غصن. إذ تمكن من تأمين الصناديق الموسيقية الضخمة ووضعها داخل الطائرة الخاصة وصولًا إلى مطار أتاتورك. ومن هناك، تُركت الصناديق الموسيقية من دون أن يتم تفتيشها أو فتحها بتاتًا من قبل الأجهزة التركية، ليعود بعدها غصن ويستقل طائرة أخرى متوجهة من إسطنبول نحو بيروت، تاركًا الصناديق الموسيقية الضخمة هناك.
تحقيقات لبنانية طالت الزايك، وهو الذي يعمل في بيع المجوهرات والأحجار الكريمة والمقيم سابقًا في الولايات المتحدة الأميركية. وقد ذكر سابقًا في التحقيقات اليابانية بأن الزايك ظهر مع تايلور عند إحدى النقاط في مطار أتاتورك ورصدتما كاميرات المراقبة، في حين ذكر في بعض التحقيقات الأجنبية التي أجريت عام 2021 بأن الزايك هو الذي اقترح على تايلور عملية تهريب غصن.
وتشير بعض المعلومات الأخرى إلى أن الزايك تجمعه علاقة متينة بتايلور، وقد سافر إلى دبي للقائه، ومن ثم توجها نحو خليج أوساكا الياباني الشهير لحضور حفل موسيقي، ومن هناك توجها نحو بيروت وكانت الصناديق الموسيقية برفقتهما. وقد ذكرت بعض المعلومات بأن الزايك لم يكن على علم بأن هذه الصناديق مخصصة لتخبئة غصن، إنما كان شريكًا لتايلور في سفره فقط. غير أن بعض التقارير الفرنسية تداولت أيضًا أن بعض شهود العيان رصدوا غصن خلال تواجده داخل أحد الفنادق برفقة تايلور والزايك، ومن ثمّ خرج الرجلان برفقة صناديق موسيقية ضخمة، وتوقع الشهود بأن غصن كان مختبئًا داخل الصندوق الموسيقي.
تحقيقات مستمرة
حتى اليوم لم تطو قضية تهريب غصن، بل إن الجانب الياباني يسعى لمعرفة ملابسات القضيّة ومواقف غصن السّورياليّة. إذ طلب الأخير مبلغ مليار دولار أميركي، تعويضاً عن الضرر النفسي والمعنوي، كما يزعم. ما دفع السفير الياباني في لبنان إلى زيارة النيابة العامة التمييزيّة للاطلاع على آخر المستجدات في القضية والاستفسار عن حقيقة طلب تعويض بهذه القيمة من اليابان.
فيما ذكرت مصادر قضائية لبنانية بارزة أنه من المتوقع أن تبدأ جلسات قضائيّة لاستجواب موظفي شركة نيسان في اليابان (استدعوا إلى لبنان)، بناءً على الدعوى التّي تقدم بها غصن أمام القضاء اللبنانيّ، ومطالبته بتعويض مالي مقابل الضرر النفسي. هذا فيما تستأنف السلطات التركية تحقيقاتها لمعرفة كل الملابسات المتعلقة بتهريب غصن إلى لبنان عبر مطار أتاتورك.
على أي حال، فإن "إنجاز" غصن التّاريخي بالفرار من اليابان والاحتماء بالقضاء اللبناني، لا يشي سوى بأننا أمام مسلسل طويل الحلقات، طالما لا يعوزه التشويق والإثارة والمفاجآت الغرائبية.