"تعب نفسي جماعي" في لبنان: هل ازداد استخدام المهدئات؟

في خضم الأزمات المتتالية التي يعيشها لبنان وآخرها اندلاع الحرب على أرضه، أصبح الاستقرار النفسي رفاهية بعيدة المنال للكثير من اللبنانيين. فمع تزايد الضغوط النفسية نتيجة الظروف المعيشية القاسية والخوف من المجهول، لوحظ ارتفاع في استهلاك المهدئات التي أصبحت جزءا من الحياة اليومية للعديد من الأفراد الذين عانوا على مدار السنوات الماضية من أزمات متلاحقة شملت الانهيار الاقتصادي، فقدان العملة المحلية قيمتها، وتدهور الظروف المعيشية وصولا إلى الحرب. وقد خلقت هذه الأزمات ضغوطا نفسية هائلة على الأفراد، مما دفع الكثيرين للبحث عن وسائل لتخفيف التوتر والقلق، فوجدت أدوية مهدئات الأعصاب طريقها إلى جيوب هؤلاء الأفراد كحل سريع للتعامل مع الضغوط اليومية.

تتوقف سيارة امام احدى صيدليات عين الرمانة المعروفة وتنزل منها امرأة بالكاد تقوى على الوقوف من شدة النعاس. يساعدها ابنها وزوجته لدخول الصيدلية، تلجأ إلى الدكتور الصيدلي صاحب الصيدلية، فيسألها عن الادوية التي تتناولها، تفتح له كيسا فيه أدويتها ومنها دواء للنفس ودواء لتحسين المزاج وآخر للأعصاب إلى ادوية اخرى، يسألها «هل أكثرت من هذه الادوية؟»، فتجيبه «نعم. كلنا متوترون في هذه الأوضاع».

هذه عينة استعان بها الصيدلي الموثوق به لدى سكان المحلة (فضل عدم ذكر اسمه) ليشرح لـ «الأنباء» زيادة الطلب على المهدئات والادوية المنومة في الآونة الأخيرة، لافتا ايضا إلى «سياسة التخزين البيتي التي يتبعها معظم اللبنانيين»، وأضاف «كانت الادوية المساعدة على النوم في الماضي حكرا على المسنين. اليوم تطلب أيضا من قبل الشباب. هناك كثرة استعمال، ولكن الأخطر هو سوء الاستعمال، مؤكدا انه يحاول قدر إمكانه ضبط كثرة وسوء استعمال الادوية».

ولفت إلى «غش يرتكبه بعض الاطباء ممن يكتبون وصفات ادوية اعصاب عشوائية»، محذرا من خطورة الادمان عليها، ومعولا على الضمير المهني للصيادلة لعدم صرفها.

اما الدكتور الصيدلي رولان اسطفان الذي يملك «صيدلية بيبلوس» العريقة في سوق جبيل فيسجل في هذا الإطار زيادات ملحوظة في مبيعات الأدوية عموما وليس فقط المهدئة منها وخصوصا ادوية الامراض المزمنة (سكري، قلب، ضغط، أعصاب..)، وذلك كنتيجة طبيعية لزيادة عدد السكان في المنطقة من جراء النزوح.

ويضيف «لا نعاني نقصا في الادوية، ولكن هناك تقنين من بعض الشركات في تسليمنا الادوية، وذلك منعا للتخزين. الاستيراد قائم بشكل طبيعي من خلال المرفأ. المشكلة فقط في التخزين المنزلي».

وعن الفئة العمرية التي تطلب مهدئات وادوية منومة، يقول اسطفان «بين الـ 40 والـ 70 سنة»، شارحا الفرق بين المهدئات التي تساعد على الاسترخاء وادوية الاعصاب التي تعمل على تحسين مستوى المشاعر الايجابية والسعادة مما يحد من التوتر وينشط الاعصاب.

ويؤكد الصيدليان ان الإفراط في تناول أدوية الأعصاب يمكن أن يؤدي إلى الاعتماد عليها، مما يسبب آثارا جانبية خطيرة على الصحة النفسية والبدنية للأفراد.

من جهة أخرى، ووسط هذه الموجة من «التعب النفسي الجماعي» بسبب الأزمات المتلاحقة والمتكررة التي توجت بالحرب، يلجأ البعض إلى البدائل الطبيعية والمكملات الغذائية التي تساعد في تهدئة الأعصاب. في هذا الإطار، يقول اسطفان «بعض المرضى النازحين لا يملكون وصفات طبية لصرف ادوية اعصاب، فنحاول مساعدتهم بالبدائل إلى حين تأمين الوصفة».