"تعليق مشروط"... هل تعود رابطة موظفي الإدارة في لبنان إلى الإضراب؟

في بلد تتشابك فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والإدارية، تبقى حقوق الموظفين في صلب معركة أوسع من مجرّد تحسين الأجور أو تعديل الدوام.

لم تعد إضرابات موظفي القطاع العام في لبنان حدثاً طارئاً، بل تحوّلت إلى سلوكٍ اعتراضي متكرّر يعكس عمق الأزمة التي تضرب مؤسسات الدولة. فمنذ سنوات، إذ تتوالى التحركات الاحتجاجية على خلفية الانهيار المالي والتراجع الكبير في القدرة الشرائية والضمانات الاجتماعية، وسط تجاهل رسمي شبه دائم.
 
ورغم التعهدات المتكررة من جانب السلطة بتلبية المطالب أو السعي إلى حلول تدريجية، تبقى ثقة الموظفين بها مهتزّة، في ظل غياب خطوات ملموسة تنهي دوامة الوعود المعلّقة وتضع حداً لهذا المسار الانحداري الذي يهدد استمرارية المرافق العامة ودورها الحيوي.
 
في هذا السياق، وبعد إعلان رابطة موظفي الإدارة العامة في لبنان الإضراب عن العمل، اختارت مرة أخرى تعليقه استجابةً لوعود رسمية لم تثبت نجاعتها في محطات سابقة.
 
الخطوة جاءت في أعقاب لقاء جمع وفداً من الرابطة برئيس الجمهورية جوزف عون، ما أضفى بعض الأمل على المشهد، لكنه في المقابل أثار علامات استفهام حيال مدى التزام الدولة الفعلي معالجة أزمات القطاع العام والخروج من دوامة المماطلة المتكررة.
 
"السلطة لا يمكنها تجاهلنا"...
في حديثٍ خاص إلى "النهار"، يؤكد رئيس الرابطة وليد جعجع، أنّ "تعليق الإضراب جاء نتيجة الإيجابية التي لمسناها من رئيس الجمهورية"، كاشفاً أنّ "الرئيس عون وعد بأخذ مطالبنا في الاعتبار في جلسة مجلس الوزراء".
 
وعند سؤاله هل هناك ثقة بتحقيق المطالب، ييجيب أنّ "ثقتنا بُنيت على كلام عون، الذي وعدنا بلقاء رئيس الحكومة نواف سلام هذا الأسبوع، لبحث مطالبنا"، موضحاً أنّ "الموضوع أُخذ على محمل الجد، وقد علّقنا الإضراب لنرَى إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه الإيجابية".
 
ويشدد جعجع على أنّ "الوضع اليوم دقيق جداً، ولذلك يجب أن نكون إيجابيين في مقاربتنا للملفات"، متابعاً: "لم يعد بإمكان السلطة تجاهلنا".
 
وتتلخص مطالب موظفي الإدارة بالآتي: تحسين الرواتب والتعويضات، إصلاح الادارة العامة، تحسين بيئة العمل، تعزيز الضمانات الاجتماعية والصحية، رفض الخصخصة، الحفاظ على القطاع العام، تعزيز دور مجلس الخدمة المدنية وتفعيله، تثبيت المتعاقدين وفقاً للأصول بدوام كامل عبر مجلس الخدمة المدنية، تفعيل آلية التقييم والترفيع والترقية على أساس الجدارة والكفاءة والاستحقاق، رفع السن القانونية للتقاعد إلى 68 عاماً، واحتساب الحقوق التقاعدية على أساس الراتب الأخير للتقاعد.
عودة إلى الإضراب؟
إلى ذلك، يُجدّد جعجع تحذيره من أنّ "خيار العودة إلى الإضراب لا يزال وارداً"، موضحاً أنّ "تعليق الإضراب جاء استناداً إلى الإيجابية التي بادر بها رئيس الجمهورية، ونحن نتابع هذه المبادرة، في انتظار اللقاء مع سلام، لنُحدّد على أساسه خطواتنا المقبلة".
 
في المقابل، وعلى عكس رابطة موظفي الإدارة العامة، أعلن "تجمع موظفي الإدارة العامة" عن استمرار الإضراب الأربعاء والخميس والجمعة.
 
وقال في بيانه إنَّ هذا القرار جاء بعد "إصرار الحكومة على رفض إنصاف موظفي الإدارة العامة حتى في المطالب التي لا تحمل الدولة أي تكلفة مالية، أو في مطالب لا تشكل أعباء مالية تعجز الدولة عن تحملها".
 
وتعليقاً على هذا البيان، يؤكد جعجع لـ"النهار"، أنّ "لا علم لنا بتوجّه هذا التجمع، والمعروف أنّ الرابطة هي الجهة المخوّلة قانوناً التحدث باسم الموظفين والدفاع عن حقوقهم، وهي وحدها تملك صلاحية الدعوة إلى الإضراب".
 
ويلفت إلى أنّ "لا معلومات لدينا عن تجمّع موظفي الإدارة العامة، ولا عن توجهاتهم أو سياستهم، ولا حتى عن كيفية تعاطيهم مع الملفات".

وفيما يُطرح تساؤل جدي بشأن هذا الفرز الموجود، والذي ينعكس ضرراً على القطاع العام أكثر منه إفادة، تبقى، في بلد تتشابك فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والإدارية، حقوق الموظفين في صلب معركة أوسع من مجرّد تحسين الأجور أو تعديل الدوام.