تقاطع مسيحي على الخيار الثالث ولكن ليس على الاسم

منذ أن استعادت اللجنة الخماسية نشاطها من خلال سفراء دولها الأعضاء في بيروت، انطلق التحرك من مسلّمة أساسية تقوم على طرح خيار ثالث لرئاسة الجمهورية من خارج اصطفافي الممانعة والمعارضة على مرشحيهما.

ذهبت الأنظار بقوة الى قائد الجيش مرشحاً ثالثاً، وإن لم يتبنَّه علناً أي فريق أو حتى الخماسية نفسها التي آثرت البقاء خارج لعبة الأسماء، تاركة خيار الانتخاب للبنانيين أنفسهم. لكن اسم القائد خرج من التداول أخيراً ليحلّ محله اسم سفير لبنان لدى الفاتيكان ومدير المخابرات السابق في الجيش العميد جورج خوري، من دون أن يتبنّاه أيضاً علناً أيّ فريق. فما هو حاصل اليوم في الحركة السياسية تزخيم للخيار الثالث ودفع في اتجاه إجراء الانتخابات بسبب التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة وسط مواعيد ومهل يجري التداول بها حول ضربة مرتقبة هذا الأسبوع، بدا كأنها تهدف إلى رفع وتيرة الضغط. ذلك أن المعلومات المتوافرة تؤكد عدم صحة هذه المهل وعدم وجودها أساساً، إلا للتهويل، من دون أن يعني ذلك أن المخاوف من توسيع إسرائيل دائرة تحركها ليست في محلها، ولكنها لا ترتبط بمهل زمنية، ويمكن أن تمتد حتى حزيران أو تموز المقبلين، ما لم تنجح المساعي والضغوط الديبلوماسية الجارية في تجنبها وإرساء حل سياسي.

في الانتظار، يستمر السباق على أوجه بين هذه المساعي الرامية إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي على نحو يدخل البلاد في مرحلة إعادة تكوين سلطتها، يمكن أن تشكل فترة سماح والتقاط أنفاس، وبين التصعيد الإسرائيلي اليومي الذي يحوّل قرى وبلدات الجنوب رماداً ويتوسّع تدريجاً في استهدافاته.

ولعل هذا ما يدفع سفراء الخماسية إلى تكثيف تحرّكهم، وملء الوقت الضائع. لا تحمل الحركة السياسية اليوم أي تطور جديد على الصعيد الرئاسي، على ما تقول مصادر ديبلوماسية مطلعة، كاشفة أن الاستحقاق دخل دائرة الحديث المتكرر عن مرونة يبديها رئيس المجلس نبيه بري في مسألة التمسك بمرشح الثنائي سليمان فرنجية، ولكن التقديرات أنها ليست حقيقية أو واقعية، بل لإلقاء مسؤولية التعطيل والتأخير على الفريق المسيحي، خصوصاً أن الاجواء الآتية من حارة حريك لا تشي بأن "حزب الله" سيقبل برئيس لا يطمئن إليه اطمئناناً كاملاً وسط المواجهة الشرسة التي يخوضها على كل الجبهات السياسية والعسكرية.

في المقابل، لا تبدو المرونة المسيحية كافية لتحقيق تقدم على صعيد التوافق على مرشح ثالث، خصوصاً في ظل الخلافات الحادة على الأسماء المطروحة حيث لا يحظى أي مرشح بقواسم مشتركة تجمع عليه. فالقوات اللبنانية ومعها جزء كبير من المعارضة المسيحية تسير بالعماد عون مرشحاً ثالثاً فيما يرفض التيار الوطني الحر السير بهذا الخيار، وهو رمى اسم العميد خوري كما اسم اللواء الياس البيسري لمواجهة ترشيح عون والعكس صحيح، إذ لم تظهر القوات مرونة حيال ترشيح خوري. وهذا يشير بوضوح إلى أن الصف المسيحي لم يتوحّد بعد ولا يزال أسير الرهانات والحسابات الخاصة بكل فريق منه. ذلك أن التقاطع المسيحي بين القوات وباسيل وأطراف أخرى يمكن أن يحصل على القبول بالخيار الثالث، لكنه مستبعد أن يصل إلى توافق على الاسم. وتعوّل أوساط مسيحية على أن يكون لبكركي دور في قيادة محور مسيحي جامع، لأنها الملاذ الأخير والوحيد الباقي لجمع القيادات المسيحية تحت عباءتها.

وربما في هذا السياق، يأتي تحرك سفراء الخماسية في اتجاه الصرح، متزامناً مع الدعوة التي أطلقها رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل قبل ايام، إلى سيد بكركي لرعاية حوار مسيحي.