المصدر: صوت بيروت انترناشونال
الكاتب: أميمة شمس الدين
الاثنين 19 شباط 2024 12:55:58
مخطئ من يظن أن أزمة القطاع العام بدأت مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب لبنان منذ أكثر من أربع سنوات ربما تكون هذه الأزمة أظهرت ما كان خافياً من الاهتراء والهدر والزبائنية وغيرها من الأمور التي يعاني منها القطاع العام وربما كانت هذه الأزمة سبباً إضافياً لشلل القطاع العام نتيجة الإضرابات المتتالية للموظفين بعدما فقدوا أكثر من 90% من قيمة رواتبهم بعد تدهور الليرة اللبنانية.
ومن الظلم أن نشمل كل موظفي القطاع العام وننعتهم بالفساد وعدم الإنتاجية ولا بد من التأكيد على أن المسؤول الأول والأخير عن التوظيف العشوائي هي الدولة أو المسؤولين في الدولة الذين استخدموا الوظيفة خدمةً لمصالحهم الضيقة.
ويمثّل الحديث المُتكرِّر عن "التخمة في القطاع العام" مثالاً فاقعاً عن هذه الأيديولوجيا المُهيمنة فالأزمة القائمة التي تعصف بالاقتصاد والمجتمع تُقدّم على أنها أزمة قطاع عام مُتضخم كتعبير من تعابير الفساد السياسي والزبائنية وإعادة التوزيع أو أنها أزمة طبقة سياسية أسرفت في الإنفاق العام لخدمة مصالحها وعمدت إلى حشو إدارات الدولة ومؤسّساتها بالمحاسيب والأزلام لذلك يتوجّب تقليص القطاع العام كركيزة للإصلاح وهذا ما يطلبه صندوق النقد الدولي.
وتشير الأرقام إلى أن 60% من الوظائف في القطاع العام هي في الخدمة العسكرية والأمنية، في حين أن 40% من الوظائف هي في الخدمة المدنية.
ووفق مسح مجلس الخدمة المدنية تضمّ الهيئة التعليمية نحو 45,075 أستاذاً وأستاذة. في حين أن 37,181 عاملاً وعاملة (مستخدمون وموظّفون وأُجراء ومتعاقدون وكلّ التسميات الأخرى الواردة في الملاك وغير الواردة) يعملون في كلّ الوزارات والإدارات والمؤسّسات العامّة أو الخاصّة التي تمتلكها الدولة كلّياً أو جزئياً. بالإضافة إلى البلديات الخاضعة لمجلس الخدمة المدنية.
وهذا يعني أن أفراد الهيئة التعليمية يشكّلون الكتلة الأكبر الثانية بعد كتلة العسكر، وتبلغ نسبتهم من مجمل العمالة في القطاع العام نحو 21%، ومن العمالة في الخدمة المدنية نحو 55%.
وهذا يعني أيضاً أن العاملين والعاملات في الخدمة العسكرية والهيئة التعليمية يشكّلون أكثر من 80% من مجمل العمالة في القطاع العام
في السياق رأى الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديث لصوت بيروت إنترناشونال أن أزمة القطاع العام أزمة مركبة سببها الأول هو العدد الفائض في الموظفين المقدر عددهم بحوالي 300 ألف موظف في حين تقل الحاجة إلى الموظفين عن 150 ألف موظف لافتاً إلى أن أحد شروط صندوق النقد الدولي للإصلاح في لبنان هو تخفيض عدد موظفي القطاع العام تدريجياً إلى النصف.
وتحدث شمس الدين عن التوظيف العشوائي لاعتبارات سياسية ومناطقية وطوائفية من دون الحاجة الفعلية لهؤلاء الموظفين مشيراً إلى أن ملاكات الدولة محددة جميعها في الأعوام 1955 و1960 و1965 وبعد التطور التكنولوجي الملحوظ أصبح هناك العشرات لا بل المئات من الوظائف يمكن الاستغناء عنها.
كما تحدث شمس الدين عن عدم حضور الموظفين إلى أماكن عملهم حيث هناك عدد كبير من الموظفين مسجلين فقط لقبض رواتبهم آخر كل شهر دون الحضور إلى أماكن عملهم ” لأن هؤلاء لديهم دعم سياسي لا يمكن استبعادهم أو إقالتهم من الوظيفة ” معتبراً أن هؤلاء الموظفين يتسببون بشلل القطاع العام.
ومن الأمور الضاغطة التي يعاني منها القطاع العام أشار شمس الدين إلى موضوع رواتب موظفي القطاع العام وقال بعدما عدلنا سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 أصبحت رواتب العاملين في القطاع العام مرتفعة جداً حيث أصبح أقل موظف يتقاضى 700 أو 800 دولار كما وصلت الرواتب لكبار الموظفين إلى حوالي 7 أو 8 آلاف دولار معتبراً هذه الرواتب تعتبر عالية جداً" في حين أن الدولة لم يكن لديها موارد كافية ولذلك لجأت إلى الاستدانة والقروض وهذا ما تسبب بأزمة الدين العام كما دفع الدولة لاستخدام أموال الناس الذين وضعوها في المصارف "فالناس وضعت أموالها في المصارف والدولة استدانت الأموال من المصارف كي تدفع رواتب الموظفين و هذا الأمر أدى إلى الانهيار الذي وصلنا إليه اليوم".
ورداً على سؤال حول إمكانية وسبل الحل لأزمة القطاع العام قال شمس الدين الحل يبدأ بخفض عدد العاملين في القطاع العام والاقتصار على الحاجات الأساسية ومن جهة أخرى إعادة القدرة الشرائية لليرة اللبنانية من خلال خفض تدريجي لقيمة الدولار لافتاَ إلى أن رواتب موظفي القطاع العام فقدت قيمتها مع تدهور العملة الوطنية ولذلك يتغيب الموظفون عن أماكن أعمالهم مما أدى إلى إقفال وشلل الإدارة العامة.
وإذ شدد شمس الدين على ضرورة تخفيض عدد الموظفين وخفض سعر صرف الدولار وإعادة النظر بالرواتب كي يكون لدى الموظف حافز كي يأتي إلى وظيفته أشار إلى أن الحد الأدنى للأجور رسمياً اليوم يُقدر بتسعة ملايين ليرة أي حوالي 100 دولار وهذا الراتب لا يكفي لأن الحاجات الأساسية لأسرة مؤلفة من أربعة أفراد تبلغ حوالي 45 مليون ليرة شهرياً.