تلزيم بلديات الضاحية معمل جعيتا الكهرومائي: الديوان يرفضه وهيئة الشراء العام لم تطّلع!

يملك اللبنانيون أكفأ "دولة" لإنتاج الأزمات والمشاكل لنفسها ولمواطنيها، بدفع من العشوائية الإدارية وتداخل المصالح السياسية، والتنافر الطائفي والمذهبي الذي يتغذى أحيانا كثيرة من ارتكابات مسؤوليها وخطايا قراراتهم.

في فضيحة تلزيم معمل جعيتا الكهرومائي، لم تشذّ الدولة عن سياسة اللامبالاة بالقانون والدستور فحسب، بل بالحد الأدنى لأصول التلزيم والتعاقد، وشراء الخدمات.

أصولا، تقوم الأعمال والتلزيمات مع شركات ومؤسسات من القطاع الخاص، تملك سيرة مهنية، وتلحظ في تراخيص إنشائها اختصاصات لها علاقة بالمشاريع المعروضة للتلزيم. أما في حالة دولتنا، فثمة مؤسسة بلدية، صلاحياتها وأهدافها محددة بالقانون، وتنحصر وظيفتها في إنماء النطاق الجغرافي المحدد، وتنظيم شؤونه البلدية والعقارية، والاهتمام بما يخدم راحة المقيمين. هذه المؤسسة البلدية التي أتاح لها استهتار أهل الدولة بالقانون أن تتقدم بعرض قيمته ملايين الدولارات، لإنشاء محطة إنتاج كهرومائي وتأهيلها وصيانتها في منطقة حراش جعيتا، البعيدة عشرات الكيلومترات عن نطاقها الإداري، تركت الخراب والدمار الممنهج الذي تسببت به وحشية العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، وذهبت إلى منطقة كسروان، للعناية وتأهيل معمل لإنتاج الكهرباء لا يغذي أو يقدم أي خدمة للضاحية الجنوبية أو أهاليها. علما أن لا صلاحية قانونية، أو موارد بشرية أو مهنية، تسمح لاتحاد بلديات بالعمل كمقاول، حتى في النطاق الجغرافي المسؤول عنه، فما بالك بالاستثمار في "المقاولة" في قضاء تفصله عنه بضعة أقضية؟

لماذا رفض الديوان المشروع؟

رفض ديوان المحاسبة للمشروع، يشير ربما إلى أن الدولة لم تفرغ كليا من القدرة على تعطيل مسار جنوح المسؤولين التاريخي إلى مخالفة القوانين والأصول، وممارسة صرف النفوذ.

فبعد التدقيق في ملف مشروع التصميم والإنشاء والتأهيل وصيانة محطة إنتاج الطاقة الكهرومائية في حراش جعيتا، قرر ديوان المحاسبة عدم الموافقة على المشروع لأسباب جوهرية اطلعت عليها "النهار":

- فقدان السند القانوني الصحيح للتلزيم بسبب عدم توافر شروط الفقرة (1) من المادة 62 من قانون الشراء العام.

- عدم توافر دفتر شروط خاص بالصفقة، بما يخالف بنود مشروع عقد الاتفاق الرضائي ذي الصلة، وعدم اقتران الملاحق الفنية.

- عدم التثبت من مدى قدرة الملتزم اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية من تنفيذ الأعمال الإنشائية والفنية المتعلقة بهذه المحطة الكهرومائية، والتي تحتاج أيضا إلى خبرات شريك أجنبي يتمتع بأعلى معايير الجودة لضمان نجاح المشروع، فضلا عن كون الأعمال المطلوب تنفيذها تخرج أصلا عن النطاق الجغرافي للاتحاد. 

-  افتقار المعاملة إلى طلب حجز اعتماد جديد لعام 2025 خاص بالصفقة.

وكانت وزارة الطاقة والمياه بررت لجوءها إلى عقد الاتفاق الرضائي مع اتحاد بلديات الضاحية، بأنها كانت قد أعلنت عن مناقصة عمومية للتصميم والإنشاء والتأهيل وصيانة محطة إنتاج الطاقة الكهرومائية في حراش - جعيتا. وقد أبدت أكثر من 10 شركات اهتمامها بالمشروع، إلا أن أي شركة لم تقدم عرضا للمناقصة العمومية التي أجريت على منصة هيئة الشراء العام.

يشار إلى أن وزارة الطاقة قد تقدمت بطلب كتاب وزير المال الموافقة على إعطاء سلفة موازنة بقيمة 300 مليار ليرة تعادل تقريبا القيمة التقديرية للمشروع والبالغة 3.206.500 دولار، على أن يتم إيداع السلفة في مصرف لبنان وتحويلها إلى دولار ليصار لاحقا إلى فتح اعتماد مستندي (LC) بالقيمة الفعلية للصفقة.

وردّت وزارة المال مشترطة الإحالة على الجهات المعنية للإجابة عن الآتي:

- تحديد طريقة الدفع في دفتر الشروط، بموجب اعتماد مستندي.

- إرساء المناقصة موقتا وفق الأصول القانونية، ولا سيما قانون الشراء العام.

- أخذ موافقة مدير المالية العام على طريقة الدفع بموجب اعتماد مستندي، وذلك للتقرير في موضوع إمكان الموافقة على إعطاء الإدارة المعنية سلفة طارئة في شأنها.

- إخضاع المعاملة للرقابة الإدارية المسبقة، وأخذ موافقة ديوان المحاسبة.

- السير بمشروع قرار سلفة طارئة لإتمام عملية الدفع بعد أخذ الموافقة المبدئية لمدير المالية العام.

الملف لم يصل إلى الشراء العام!

مصدر في الشراء العام أكد لـ"النهار" عدم اطلاع الهيئة من وزارة الطاقة أو أي جهة أخرى على أي ملف يتعلق بمشروع التصميم والإنشاء والتأهيل والصيانة لمحطة إنتاج الطاقة الكهرومائية في حراش. ولم تصل إلى الهيئة أي مراسلة في شأن هذا الملف، موضحا أن وزير الطاقة أرسل إلى ديوان المحاسبة الملف في إطار الرقابة المسبقة، ورد الديوان برفض المشروع، ومن أسباب الرفض عدم النشر على موقع الهيئة، "وهنا ينتهي الأمر ولا حاجة إلى الاسترسال في الكلام على أمر منقض".

وقال المصدر: "يتبين من مراجعة الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام أن وزارة الطاقة دونت على الموقع معلومات غير مكتملة  تتعلق بإجراء مناقصة بالموضوع في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2024، لكنها لم ترفقها بدفتر الشروط والمستندات المتعلقة بالمشروع. علما أن هيئة الشراء العام لم تتبلغ من الوزارة أي إشعار بنشر الاتفاق الرضائي الذي أعدته عن المشروع  وتناولته وسائل الاعلام لنشره على الموقع الإلكتروني، ليتسنى لأي شركة أو أي طرف معني الاعتراض خلال 10 أيام".

واعتبر المصدر أن "وزارة الطاقة لم تطبق مندرجات المادتين 46 و62 من قانون الشراء العام المتعلقتين بالاتفاقيات الرضائية، وخضوعها لموجب النشر المسبق، وسلكت نهجا من خارج السياق القانوني".

الوزير السابق زياد بارود اكتفى بالقول: "الديوان هو المرجع الصالح لبت قانونية ما جرى، وغرفة الديوان برئاسة القاضي بسام وهبه أصدرت قرارها بالرفض وتاليا يجب التزامه من كل الاطراف". ولم يشكك بارود في حسن نية وزير الطاقة، لكنه قال: "فليتزم الجميع القانون والمؤسسات والاحتكام إلى المرجع الصالح، الذي قال كلمته في الملف".

ووفق مصادر معنية، فإن محطة إنتاج الطاقة الكهرومائية في حراش تابعة لمصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، جاءت فيما كانت بلدية جعيتا تحضر للمشروع مع USAID التي أعدت دراسة لإنشاء محطة بقدرة توليد 5.4 غيغاواط/ ساعة، بينما المحطة التي كانت تنوي وزارة الطاقة تلزيمها لاتحاد بلديات الضاحية 1.2 غيغاواط/ ساعة.