تلوث قاتل يجتاح المدينة: بيروت تحت وطأة الخطر السام!

في وسط الظلام الذي يخيّم على بيروت، تغيب معالم الحياة، وكأنّ السحابة السوداء التي تلوح في الأفق قد سرقت كل بصيص أمل. إنها ليست مجرد سحابة، بل وحش أسود هائل يجثم فوق بيروت، يغمرها بالغازات السامة التي تخترق الصدور وتثقل الأنفاس. هذه الغازات ليست وليدة الطبيعة، بل نتيجة لحرائق مهولة تلتهم كل ما هو حي، وتستكملها الغارات التي تضرب بقسوة، تترك خلفها الدمار والموت أينما حلت. وفي كل زاوية من زوايا المدينة، تنتشر روائح لا تحتمل، رائحة البلاستيك المحترق والمباني المتهدمة، وكأنها رسائل موت عالقة في الهواء، تذكّر السكان بأهوال الحروب التي لا تنتهي، والكارثة التي تزداد تفاقمًا مع مرور الأيام.

أسباب الروائح الكريهة

بعد كل قصف إسرائيلي يتعرض له لبنان، لا تقتصر الأضرار على الدمار المادي والمباني المهدمة، بل تتعداها لتشمل أضرارًا بيئية وصحية لا تقل خطورة. أحد أبرز هذه الأضرار هي الروائح الكريهة التي تنبعث في الهواء بعد الهجمات، وهي نتيجة مباشرة للاحتراق والتدمير الذي يشمل المواد الكيميائية والبنية التحتية. تمتد آثار هذه الروائح الكريهة لأمد طويل، وتثير قلق السكان نظرًا لتأثيراتها السلبية على الصحة والبيئة.

الروائح الكريهة التي تنتشر بعد القصف الإسرائيلي ليست مجرد روائح عابرة، بل هي نتيجة احتراق مجموعة من المواد الخطرة. يحدث ذلك نتيجة لتدمير المباني والمنشآت التي تحتوي على كميات كبيرة من المواد البلاستيكية والمعادن والمواد الكيميائية الصناعية، وعند احتراق هذه المواد، تتصاعد غازات سامة تسبب روائح خانقة تشبه احتراق البلاستيك وتنتشر على نطاق واسع. كما أن الغارات تتسبب بانفجارات كبيرة تطلق مواد كيميائية ضارة في الهواء، تحتوي بعض المتفجرات على مواد قابلة للاشتعال مثل الكبريت والنيترات التي تصدر غازات كريهة تشبه رائحة البارود المحترق. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الدمار الناتج عن القصف إلى احتراق السيارات المتروكة ومواد البناء، مما يطلق دخانًا كثيفًا من إطارات السيارات والخرسانة المتفجرة، تاركًا خلفه روائح نفاذة تخنق الأنفاس.

أضرارها الكارثية!

تشكل الروائح الكريهة الناتجة عن القصف الإسرائيلي خطرًا جسيمًا على الصحة العامة يتجاوز الإزعاج الحسي. فالغازات السامة التي تتصاعد نتيجة احتراق المواد البلاستيكية والمعادن والكيماويات في المناطق المتضررة تسبب تهيجًا في الرئتين والشعب الهوائية، مما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض تنفسية خطرة مثل الربو والتهاب القصبات، خصوصًا لدى الأطفال وكبار السن الذين تكون أجهزتهم التنفسية أضعف في مقاومة السموم المنتشرة في الهواء. بالإضافة إلى ذلك، تحمل هذه الروائح معها خطر التسمم الكيميائي، حيث تنتج عن احتراق المواد الخطرة مثل الديوكسينات والبنزين مواد سامة تدخل إلى مجرى الدم وتؤثر بشكل مباشر على الكبد والكلى، مما يؤدي إلى تدهور ملحوظ في الصحة يتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا. ولا تقتصر الأضرار على الجهاز التنفسي فحسب، بل تمتد إلى الجهاز العصبي أيضًا، حيث يعاني الأشخاص من الصداع النصفي، الدوار، والتوتر العصبي الذي قد يستمر لفترات طويلة حتى بعد زوال الروائح، مما يؤثر سلبًا على القدرة على التركيز والنوم. الأطفال الذين ينمون في هذه الظروف يمكن أن يواجهوا مشكلات تنموية مستقبلية، فيما يعاني البالغون من آثار نفسية وصحية دائمة. بشكل عام، تمثل هذه الروائح الكريهة تحديًا صحيًا خطيرًا يتطلب تدابير فورية من حيث الوقاية والتوعية، فضلًا عن تقديم الدعم الطبي للسكان المتضررين.

هل تمتد آثار الروائح السلبية لأكثر من عام؟

الآثار السلبية للروائح الكريهة الناتجة عن القصف لا تقتصر على فترة قصيرة، بل قد تمتد لأكثر من عام نتيجة تراكم المواد السامة في البيئة واستمرار تأثيرها في الصحة العامة. يعود ذلك إلى تسرب المواد الكيميائية الخطرة الناتجة عن الحرائق والانفجارات إلى التربة والمياه الجوفية، مما يؤدي إلى تلوث مستدام يؤثر في جودة المحاصيل الزراعية ومياه الشرب، ويشكل تهديدًا طويل الأمد على صحة الأجيال القادمة. إضافةً إلى ذلك، فإن جزيئات المواد الكيميائية الضارة التي تظل عالقة في الهواء أو تستقر على أسطح المباني والشوارع، قد تعيد إطلاق مواد سامة عند تعرضها للشمس أو الحرارة، ما يعني أن المشكلة قد تستمر وتعيد نفسها حتى بعد اختفاء الروائح بشكل ظاهر. هذا التلوث المتواصل يمثل خطرًا بيئيًا وصحيًا طويل الأمد يتطلب مراقبة دقيقة وإجراءات بيئية فعالة للحد من تأثيراته السلبية في البيئة والصحة.