تلوث مياه الصهاريج: بكتيريا وفطريات وأمراض جلدية خطرة

أصبحت أزمة المياه جزءاً من الحياة اليومية لكثير من الأسر في مختلف المناطق اللبنانية، ما دفع السكان إلى الاعتماد على صهاريج المياه المتنقلة كحلّ بديل لانقطاع المياه الدائم. وعلى رغم أن هذه الخدمة شكّلت في البداية مخرجاً موقتاً، إلا أنّها تحوّلت تدريجاً إلى مصدر قلق صحّي، مع تزايد حالات التلوّث وانتشار الأمراض المرتبطة بالمياه غير النظيفة. فالجزء الأكبر من هذه الصهاريج يعمل خارج أي رقابة صحية، من دون التأكد من نظافة المياه أو صلاحيتها للاستخدام، فيما يغيب التعقيم الدوري للخزانات والأنابيب المستخدمة في تعبئتها. ومع انعدام الرقابة وضعف الوعي في بعض الأحيان، تتحوّل خزانات المنازل نفسها إلى بيئة مثالية لتكاثر الجراثيم والفطريات، ما يعرّض الأسر، خصوصاً الأطفال وكبار السن، لأمراض معوية وجلدية متزايدة.

الأمراض الأكثر شيوعاً 

ورصدت "المدن" توالي الشكاوى حول حالات الإسهال، وارتفاع الحرارة، والطفوح الجلدية، ولا سيما في منطقة الضاحية الجنوبية، حيث يعتمد السكان على مياه الصهاريج. وتلف الاختصاصية في الأمراض الجلدية، الدكتورة غادة قصير (عيادتها في الضاحية الجنوبية) إلى أن انهيار البنية التحتية، وتلوّث مصادر المياه يشكّلان بيئة حاضنة لنموّ الفطريات، معيدة التذكير بتقرير منظمة الصحة العالمية للعام 2021 الذي صنّف 60 في المئة من مياه الشرب في لبنان بأنّها غير صالحة للاستهلاك.

وتؤكد قصير أن الحالات المرضية المرتبطة بالفطريات الناجمة عن استخدام مياه ملوثة باتت الأكثر شيوعاً، وترصَد بكثرة في عيادات الأمراض الجلدية. وتشير إلى أن غالبية الحالات التي تعاينها جراء الإصابة بفطريات مرتبطة بتلوث مياه الشرب والاستحمام. وهناك أربعة أنواع من الفطريات تظهر بشكل شائع جراء استخدام المياه الملوّثة، وهيAspergillus ، Penicillium، Cladosporium،Fusarium ، إضافة إلى  Trichoderma. والإصابة بهذه البكتيريا الأخيرة تعد الأكثر شيوعياً، وفي صدارة المراجعات التي يعانيها أطباء الجلد في لبنان. 

وتحذّر قصير من أنّ الفطريات باتت أكثر مقاومة للأدوية التقليدية، ما يدفع الأطباء إلى تغيير العلاجات ورفع الجرعات، وسط ازدياد أعداد المرضى ذوي المناعة الضعيفة.

سوق فوضوية بلا ضوابط

"المدن" تواصلت مع بعض أصحاب الصهاريج طلبوا عدم  الكشف عن هويتهم. وتبين أن بعضهم يفاتح الزبون مباشرة عند طلب تعبئة مياه، بما إذا كان يريد مياهاً نظيفة بسعر مرتفع أو أخرى بسعر منخفض. 

ولفت أحد أصحاب الصهاريج إلى أن مصدر المياه التي تباع للسكان هو الآبار الجوفية، وتختلف نوعيتها بين مالحة ومعتدلة. وشرح أن البعض يضيف مادة الكلور لتعقيم المياه. لكن تبين أن هذه المادة تستخدم عشوائياً ومن دون إرشادات حول الكمية اللازمة لكل ليتر ماء، ما يطرح أسئلة حول سلامة هذه الممارسات وتأثيرها على المستهلكين.

 

أما لناحية السعر فيتراوح سعر تعبئة خزان المياه بألف ليتر من الماء بما بين 800 ألف ليرة ومليون ليرة، وذلك بحسب المسافة وسعر شراء المياه من المحطات، حيث يصل إلى 500 ألف ليرة للعشرة براميل. ولدى سؤال أصحاب الصهاريج عن إجراءات التعقيم والتنظيف، لفت أحدهم إلى أن الأمر يتعلق بصاحب كل صهريج، لأنه لا يوجد أي إشراف أو رقابة على هذا القطاع. وقد تبين أن بعض أصحاب الصهاريج يستخدمون رخصاً زراعية لتبرير نقل المياه. 

 

"المدن" تواصلت مع الوزارات التي يفترض أنها معنية بتنظيم هذا القطاع ومسؤولة عن رقابته، مباشرة أو غير مباشرة. لكن تبيّن أن هناك تقاذفاً للمسؤوليات.

وزير الزراعة نزار هاني أوضح لـ"المدن" أنّ رخص الصهاريج الزراعية تُمنح فقط لمن يمتلك أرضاً زراعية أو يعمل في تربية النحل. لكن كثيرين يستغلّونها لبيع مياه الخدمة. ويشير إلى أن تسجيل الصهاريج كآليات زراعية يتم للاستفادة من تخفيض الرسوم، ولا توجد حالياً آلية لرصد المخالفات.

مستشار وزير الطاقة جورج عاقوري أكد أن وزارة الطاقة ليست الجهة المخوّلة بمنح تراخيص الصهاريج، ولا بالكشف على سلامة المياه، بل يقتصر دورها على مراقبة عدّادات الآبار الصناعية. أما وزارة الصحة فتتذرع بعدم وجود مسؤولية مباشرة لها. ويوضح مصدر رسمي أن الوزارة "تعالج النتائج لا الأسباب، لأنها لا تمتلك صلاحية محاسبة المخالفين ولا الكشف على مصادر المياه"

في المقابل يشرح أستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية وفيق ريحان أن المسؤوليات تتوزّع على أكثر من جهة. فهذا القطاع يشبه قطاع المولّدات، الذي فرض نفسه بحكم الأمر في ظل غياب كهرباء الدولة، وهو من مسؤولية وزارة الطاقة والمياه، بمعنى الكشف الدوري على مصادر المياه وفحص الآبار بإشراف وزارة الصحة، المسؤولة عن الصحة العامة. 

ويضيف أن الأساس في الموضوع هو الحفاظ على السلامة العامّة لصحة المواطنين من خلال فحص النظافة والتعقيم، وإلزام المعنيين بإجراء الفحوص الدورية في الآبار التي تغذّي الصهاريج، و"سلطات الضبط الإداري"، أي المحافظ والقائمقام والبلدية المعنية المسؤولة عن سلامة المواطنين في أماكن إقامتهم.