المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
السبت 4 أيار 2024 13:04:36
يفترض أن تبدأ وزارة التربية اجتماعاتها مع مقرري لجان مواد الامتحانات الأسبوع المقبل، للاستعداد للامتحان الرسمي لشهادة الثانوية العامة، رغم أن "الوزارة" لم تدفع مستحقات المقررين وكل الموظفين والأساتذة الذين شاركوا بالأعمال الإدارية للامتحانات الرسمية 2022-2023. جلّ ما بدر هو وعد بالدفع. إلّا أن الأمور لن تمر على ما يرام، بحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن".
المماطلة بدفع المستحقات
منذ أكثر من ستة أشهر تماطل وزارة التربية بدفع هذه المستحقات (حوافز تدفع بالدولار لتحفيز المشاركة بالامتحانات) لمئات الموظفين والأساتذة. وفي آخر لقاء مع روابط المعلمين، منذ بضعة أيام، وعد وزير التربية عباس الحلبي أن يتم الدفع قبل 15 أيار الحالي.
وتقول مصادر مطلعة على الملف أن الأجواء لا تبشر بالخير وأن الاعتراضات ستتصاعد. وقد تصل الأمور إلى التلويح العلني بمقاطعة الامتحانات، في حال عدم إيفاء الحلبي بوعده. ما يهدد إجراء الامتحانات الرسمية.
سبق وكشفت "المدن" أن منظمة اليونيسف، التي تكفلت بدفع الحوافز، رفضت دفع أكثر من مئة ألف دولار من كلفة الامتحانات المقدرة بنحو 700 ألف دولار. والسبب هو وجود شكوك حول كيفية تسجيل ساعات العمل في الامتحانات، والتي تعتبر مضخمة. وتؤكد المصادر أن الحلبي وعد بدفع المبالغ المطلوبة كاملة في عضون 15 أيار. وتسأل: هل ستعود اليونيسف وتدفع 700 ألف دولار؟ ولماذا حصلت هذه الجلبة في حال كانت ستدفع؟
تقرير التدقيق وفضائحه
وكانت وزارة التربية دفعت مستحقات جميع المسجلين بالعملة اللبنانية المرصودة من الدولة اللبنانية. وتم الدفع بعد التدقيق بجداول الحضور، سواء في المناطق التربوية أو في الإدارة المركزية في وزارة التربية. لكن عندما أتى موعد دفع الحوافز بالدولار، لم يتلق الموظفون والأساتذة المستحقات العائدة لهم عن الأعمال الإدارية (تحتسب المستحقات على أساس عدد الجلسات التي ينفذ الشخص المعني وكل ثلاث ساعات بمثابة جلسة). والسبب الذي تبلغه المعنيون أن الجداول تتضمن أرقام مضخمة بعدد الساعات وأيام الحضور، ما نتج عنها مبالغ كبيرة جداً، اعترضت اليونيسف عليها.
وفي جديد الملف، أكدت المصادر أنه تم تكليف شركة التدقيق الأردنية (تدقق بكل الأموال التي تأتي من المانحين) للتدقيق ببيانات العاملين بالامتحانات في التعليم الأكاديمي والمهني. وطال التدقيق كل شاردة وواردة. أي بعكس التدقيق المحلي الذي أجرته الوزارة لدفع المستحقات بالليرة اللبنانية. وانتهى التدقيق ورفعت الشركة تقريرها حول الموضوع منذ أكثر من أسبوع. واكتشفت فضائع كبيرة في الأرقام. ما أدى إلى نفض اليونيسف يدها من موضوع الامتحانات. بمعنى أوضح قد ينعكس الأمر على رفض اليونيسف دفع حتى المئة ألف دولار المنوه عنها سابقاً.
ووفق المصادر، تبين أن العديد من الأشخاص سجلوا دوامات عمل مضخمة (24ساعة على 24 ساعة) لمدة تتجاوز الشهر وأكثر. فصحيح أن أعمال الامتحانات تتطلب من بعض الموظفين والأساتذة النوم في الإدارة المركزية في أسبوع الامتحانات والأسبوع الذي يسبقه، إلا أن تلك الدوامات الطويلة غير منطقية.
ما يحصل في ملف الامتحانات أن العديد من المسؤولين في الوزارة يسجّلون المستشارين والموظفين والسائقين وعمال الخدمات، من مختلف المديريات والوحدات في الوزارة وفي المناطق التربوية، على أنهم يعملون بالامتحانات، بغية الحصول على الحوافز بالدولار. وهؤلاء لا عمل لهم بالامتحانات، بل يعملون في إدارات أخرى، يذهبون صباحاً ويبصمون على آلة البصم أو يوقعون على جداول الحضور (كحال المناطق التربوية)، يعودون بعد منتصف الليل ليسجلوا الخروج.
كيف تؤمن الأموال؟
المعضلة التي وقعت بها وزارة التربية أن التدقيق حول صرف المال العام لم يلحظ هذه التفاصيل، فيما تدقيق الخارجي الذي قامت به الشركة الأردنية اكتشف الفضائح، هذا رغم أن الجداول التي يتم على أساسها الدفع واحدة. وبمعزل عن هذا المعطى، الأسئلة التي تطرح هي: هل ستدفع الوزارة الحوافز كاملة للأعمال الإدارية؟ ومن أين ستأتي بالأموال طالما أن الجهة الدولية المانحة المعنية نفضت يدها؟ وفي حال قررت الوزارة دفع الأموال من مصادر أخرى غير اليونيسف، هل ستدفعها كاملة؟ أم سيصار إلى دفع نسبة منها، كما سبق وتبلّغ مقررو لجان الامتحانات؟
هذا الغموض حول مستحقات الامتحانات، والتأخر الكبير في عدم دفعها للمستحقين (العاملون في الامتحانات وليس المحظيّين الذين يسجلون أسماءهم غب الطلب) يشكل أزمة فقدان الثقة مع وزارة التربية. فقد ذهب "الصالح بعزا الطالح" كما يقول المثل الشعبي، الأمر الذي يؤثر حكماً على سير أعمال الامتحانات الحالية. ففي حال دفعت وزارة التربية جزءاًً من الاتعاب (كحل وسطي للجميع) سيشعر المعنيون أنهم طعنوا بظهرهم ويقررون عدم المشاركة في الامتحانات المقبلة.
ما سبق يتعلق بالامتحانات السابقة وبحرد الموظفين والأساتذة. لكن السؤال الذي ليس له جواب: من سيموّل حوافز الامتحانات المقبلة؟ هل ستعود اليونيسف وتمولها مثل العام الفائت؟ ومن يضمن عدم حصول الإشكاليات الحالية، طالما أن الفساد وعقلية التلاعب بالقوانين وتجاوزها في الإدارة راسخة وثابتة؟