المصدر: نداء الوطن
الكاتب: باتريسيا جلاد
الاثنين 9 كانون الاول 2024 07:13:19
فيما كانت الدولة منشغلة بتردّدات وتداعيات الحرب، تابعت التداولات المحدودة بسندات الـ "يوروبوندز" اللبنانية المستحقة على الدولة والبالغة نحو 31 مليار دولار (من دون احتساب الفوائد)، نشاطها وحركتها. فزاد سعرها من 6.36 سنتات للدولار للسند في حزيران الماضي إلى 9.18 سنتات للدولار منذ نحو شهر فإلى 10.46 سنتات للدولار منذ أسبوع ثم 11.72 سنتاً للدولار يوم الجمعة الماضي. هذا الارتفاع يطرح علامات استفهام حول أسباب هذا التحسّن، حين يُفترض أن تزيد المخاطر، وتتراجع التداولات بالأوراق المالية. وماذا عن الدعاوى المرتقب أن يرفعها الدائنون قبل حلول آذار المقبل؟
معضلة دين سندات الـ "يوروبوندز" محسومة. الدولة اللبنانية لا تريد ولا يمكنها، كما تقول، التفاوض حالياً مع الدائنين أو حاملي السندات حول كيفية تسديد دين الـ "يوروبوندز" إن لم يكن بسبب الحرب التي تبلغ خسائرها نحو 15 مليار دولار، فبسبب عدم توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهي لغاية اليوم لا تريد حتى المبادرة إلى شراء السندات.
مع اقتراب نهاية العام الجاري، ومع وضع الحرب الإسرائيلية على "حزب الله" أوزارها الشاملة على كل المناطق بعد التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، لم يبق لحاملي السندات سوى فترة شهرين لرفع الدعاوى على الدولة اللبنانية وحفظ حقّهم في الفوائد المترتبة على السندات والتي تبلغ نحو 10 مليارات دولار. وبذلك باتت الدولة "مزنوقة" في الوقت لإيجاد الحلول خصوصاً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طلب من وزارة المالية أن تمدّد فترة حقوق حاملي السندات بالفوائد إلى عشر سنوات بدلاً من خمس سنوات بعد إعلان الدولة عزمها وقف تسديد ديونها في 9 آذار 2020.
أسعار السندات
علمت "نداء الوطن" من مصادر وزارة المال أن "التداول قائم حول تمديد المهل نظراً لعدم التوصّل إلى استراتيجية إعادة هيكلة الدين على خلفية الظروف التي مرّت ولا تزال تمرّ بها البلاد. أما استناداً إلى مصادر أخرى فأشارت لـ "نداء الوطن" إلى أن وزارة المالية أعدّت كتاباً في هذا السياق وأرسلته لحاملي السندات. وبانتظار البتّ في هذا الكتاب قد تكون الدعاوى جاهزة من الدائنين بهدف تقديمها وحفظ حقوقهم في الفوائد. علماً أن الدائنين على دراية بأنهم لن يحصلوا على الفوائد التي أصبحت قيمتها كبيرة وتبلغ نحو 10 مليارات دولار.
في مقلب التذبذبات الإيجابية في أسعار سندات الدين وارتفاع سعرها المتواصل منذ حزيران، يبدو أننا في مواجهة "سيف ذي حدّين"، فالتعافي مهم ومؤشّر جيد، لكن هذا الأمر يعطي دلالة أو إشارة الى أن أسعار سندات الـ "يوروبوندز" سترتفع مجدّداً في مرحلة ما بعد الحرب وحصول استقرار وبالتالي ستزيد الكلفة على الدولة إذا أرادت إعادة شرائها.
ومن المعلوم أن غالبية سندات الـ "يوروبوندز" لم تعد مملوكة من المصارف اللبنانية بل تعود لشركات ومؤسسات مالية عالمية بعد شرائها بأسعار متدنية جداً. من هنا، أي مؤشّر يعتبره حامل سند الـ"يوروبوندز" إيجابياً يساعد على تحسين سعره. فمن اشترى السند على سعر منخفض يمكن أن يتخلى عنه اليوم على سعر أعلى، ومن لديه رؤية ايجابية أن الاستقرار سيستتبّ في لبنان بعد الحرب وسنشهد تعافياً، يمكن أن يتحمّس لشراء تلك السندات ولو على سعر أعلى، ويجمّدها إلى حين تحقيق الاستقرار.
من هنا المستثمر الذي يرى قيمة مضافة في سندات الـ "يوروبوندز"، يتوقّع أن تؤدي الحرب إلى خواتيم إيجابية للتعافي في لبنان. إذ يمكن أن يعتبر الشاري، واستناداً إلى تحليلاته أو توقعاته، أن هذه الحرب قد تنتهي بتطبيق قرارات دولية وهذا ما جرى، وباستقرار أكثر مما كان الوضع عليه قبل اندلاع شرارة الحرب وبنزع السلاح المتفلّت وغير الشرعي، وبالتالي، إزالة المخاطر الداخلية لأسباب متعدّدة.
ماذا عن النتائج؟
لكن تلك الإيجابية استناداً إلى الخبراء الاقتصاديين تستدعي من الدولة اللبنانية الإسراع إلى إعادة جدولة الدين للاستفادة من السعر المتدني للـ "يوروبوندز" ووضع خطة سداد الدين بأدنى الأسعار، فإذا ارتفع سعر السند قد يشكّل ذلك عبئاً مادياً على الدولة في إعادة شراء السندات وتسديد ديونها. وبذلك إذا كان ارتفاع أسعار الـ "يوروبوندز" مؤشّراً للاستقرار من وجهة نظر المستثمرين فإنه في المقلب الآخر مؤشّر أو دلالة لتفاقم أعباء الدين على الدولة اللبنانية.
تحاليل عالمية تفاؤلية
وتعزي مواقع إلكترونية عالمية أسباب ارتفاع سندات الـ "يوروبوندز اللبنانية" غير المعتاد، نتيجة رهانات طويلة الأمد على أن كل ما يأتي بعد الحرب سيكون أفضل للمستثمرين من الوضع الراهن. فكل من يشتري تلك السندات يعتبر أن آفاق الإصلاح في لبنان تتوقف على إضعاف "حزب الله"، المدعوم من إيران والذي يتمتّع بنفوذ كبير في السياسة اللبنانية.
وهذا الأمر جاء في تقرير لبلومبرغ منذ نحو شهر و"فاينانشل تايمز" الأسبوع الماضي.
وكان مدير محفظة بنك "دانسكي" سورين مورش قد أعلن أن "سعر السند متدنٍ، فشراء سندات لبنان المتعثرة يكلّف المستثمر قرشاً واحداً مقابل الدولار، والأسعار قد تصل إلى نحو 25 سنتاً للدولار إذا تمّ سحب سلاح "حزب الله" وتمّ العثور على نوع من الحل". فالاستثمار كان في المراهنة على أن الحرب الإسرائيلية على "حزب الله" هي بمثابة نقطة تحول، التي من شأنها أن تحول لبنان إلى بلد لديه بعض الأمل في الرخاء مرة أخرى".
من الناحية التقنية
إلى ذلك، فإن تحسّن قيمة أسعار السندات من الناحية التقنية من 6.36 الى 9.25 سنتات للدولار فـ 11.72، استناداً إلى رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمّود، كما أوضح لـ "نداء الوطن"، "ليس بالقفزة الكبيرة، إذ إن تحسّن سعر سند الـ "يوروبوندز" من 5 الى 6 فإلى 8 ثم إلى 9 أو 10 سنتات للدولار، لا يغيّر واقعة أن لبنان لا يزال في مرحلة الإخلال بسداد الدين، وبالتالي يجب في الأيام العادية وعند استتباب الأوضاع الأمنية وبعيد انتهاء الحرب، البدء بإصلاح الوضعين المالي والمصرفي".
فالمبالغ التي يتم التداول فيها مقارنة مع حجم السندات الموقوفة في الأسواق الدولية "ليس كبيراً"، كما يؤكّد حمّود. لافتاً إلى أن "أي حلّ في لبنان في ظلّ الأزمة وبعد الحرب سترافقة معالجة للدين العام، خصوصاً في الأسواق الدولية أي خارج السوق المحلية. وما دفع في هذا الإتجاه، تجاوب وزارة المالية في عملية تمديد مهل رفع دعاوى على الدولة اللبنانية لحفظ الدائنين حقوقهم في الحصول على فوائد سندات الدين".
Junk bonds
وبرأي حمود "إن قبول الدولة بالتمديد واعترافها بالفوائد يفتح شهية وقابلية بعض المتعاملين في الأسواق المالية، للمخاطرة بالإقدام على شراء بعض هذه السندات التي تدرج على لائحة السندات المرتفعة المخاطر وتسمى Junk Bonds.
بعض المتداولين في الأسواق المالية يخاطرون بتلك السندات Junk bonds ويتداولون بها، وليس بعدد كبير كما يتبين لنا، لأن الأسعار لا تزال في إطار التسعة والعشرة في المئة من قيمة السند. حتى أن الفوائد باتت تتجاوز هذه النسبة من السعر، وبذلك من يشتري السند سيحصل أيضاً على استحقاق الفوائد وحقه في تقاضيها. وإذا حصل على الفائدة فقط يكونون قد "غطّوا" نسبة الـ 10% وأكثر من قيمة السند".
فالأسواق المالية بتحركها المحدود تؤدي إلى ارتفاع السعر، من هنا لا يرى حمود أن تلك الزيادة هي مؤشر إلى شيء. متسائلاً، هل لدى الدولة خطة في مخاطبة الدائنين الخارجيين حتى بمن فيهم المصارف المحلية، وحقوق المودعين الموجودة في السوق المحلي؟ هل يمكن إعادة برمجة تلك السندات من دون التعاطي بالأزمة المالية الداخلية في ظلّ حكومة تصريف الأعمال؟ أشكّ في ذلك. علماً أنه لا مفر اليوم أو غداً أو بعد غد من مخاطبة الدولة الدائنين لإعادة جدولة الديون، وإجراء تسوية على سداد الديون. فأي تسوية مع الدائنين ستتجاوز نوعاً ما قيمة السند العشرة في المئة ولكن متى؟ بعد سنة أو سنتين .
من يشتري بنسبة 10% سيربح حتماً ولكن بعد 10 سنوات، لا يمكن تجميد أمواله طوال تلك الفترة حتى لو أصبح هناك ترتيب معين .
فالمتداول في الأسواق المالية يبحث عادة على الربح السريع quick and fast turnover فلا يمكنه، ولو أن الربح مؤكّد، أن يجمّد أمواله لفترة 10 سنوات. لذلك يشتري ويبيع سيولته ولا يأخذ فقط الربحية بالاعتبار، على عكس المستثمر البطيء الذي ينام على استثماره لفترة طويلة لتحقيق أرباح.
وبانتظار أن تستقرّ الأوضاع الأمنية والاقتصادية، فإن تذبذب أسعار السندات الصعودي قد يستمرّ نظراً إلى آفاق النهوض الاقتصادي والمالي، التفاؤلية المنتظرة في مرحلة ما بعد الحرب .