تملمُل سنّي من "قطبة مخفيّة"... النيابة العامة التمييزية بين دكروب والحجّار

على بعد أيام من بلوغ النائب العام التمييزي غسان عويدات السنّ القانونية، بدا لافتاً طلب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري من رئاسة الحكومة العمل بمندرجات المادة 95 من الدستور، «حفاظاً على التوازنات الطائفية والمذهبية، خصوصاً في ظلّ فراغ سدّة رئاسة الجمهورية». ويأتي طلب الوزير الوصيّ على حسن انتظام «العدالة» في لبنان، بعد أيام على تخطّي الحكومة المستقيلة دور وزير الدفاع والشروع في تعيين رئيس للأركان في الجيش اللبناني، الأمر الذي تزامن مع سقوط سلّة التعيينات القضائيّة التي كان وزير العدل بصدد إقتراحها والتي تتضمّن بطبيعة الحال تعيين نائب عام تمييزي جديد، وإستئناف البحث في تشكيلات جديدة لم تنضج أسماؤها بعد. ما وضع رأس النيابة العامة التمييزية في دائرة الغموض المتجدّد مع تقدّم الحديث خلال الساعات الأخيرة، عن عدم ممانعة المحامي العام التمييزي القاضية ندى دكروب تولّي هذا المنصب بالإنابة، إنطلاقاً من كون قانون التنظيم القضائي ينيط بالأعلى رتبةً، بين المعاونين للمدعي العام التمييزي من المحامين العامين التمييزيين حصراً، أن يحلّ مكان النائب العام التمييزي، في اليوم التالي لخروجه من العدليّة من دون الحاجة إلى أيّ إجراءات أو مراسيم ما لم يبادر رئيس مجلس القضاء الأعلى أو مجلس الوزراء إلى تعيين خلف له وفق الأصول المرعية الإجراء.

وإذ تعتصم الرئيسة دكروب بالصمت وتحصر مشاركة موقفها بالحلقة اللصيقة بها، أو الضيقة، تنقل مصادر قريبة من دار الإفتاء تململ الشارع السني من تعمّد إقصائهم عن إدارات الدولة، وتوضح عبر «نداء الوطن» أنّ عدم المبادرة إلى تكليف أو تعيين قاضٍ سنّي على رأس النيابة العامة التمييزية سيؤدي إلى إقصائهم عن المراكز الأساسيّة في القضاء، بعد أن استبعدوا من مركز قاضي التحقيق الأول في بيروت، ورئاسة التفتيش القضائي، واقتصار مشاركة السنّة من خلال القاضية جمال محمود فقط في ديوان المحاسبة، أي المؤسسة الرقابية التي تتبع لرئاسة الحكومة من بين 25 قاضياً وقاضيّة يمثلون المكوّنات الأخرى.

ولا تخفي الأوساط نفسها تحميل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المسؤولية عن التفريط بالتمثيل السنّي في مؤسسات الدولة، وتتساءل: ما هي الأسباب التي دفعته إلى مراعاة مطالب «الدروز» ودفع مجلس الوزراء إلى تعيين رئيس للأركان، وترك الغموض يلف مصير أعلى مركز قضائي يشغله قاضٍ سنّي؟ وذلك، مع تراجع الحديث عن توافق يخوّل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود المبادرة وتكليف رئيس الغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز القاضي جمال الحجار، ترؤس النيابة العامة التمييزية في لبنان. وساد إعتقاد بين المتابعين، عن قطبة مخفيّة دفعت المقربين من «التيّار الوطنيّ الحرّ» إلى التسليم بتولّي القاضية دكروب، قريبة الرئيس نبيه برّي هذا المركز القضائي المهمّ، لإستبعاد رئيس المجلس التأديبي القاضي جمال الحجار الذي تجرّأ واتخذ قراراً بصرف القاضية غادة عون من السلك القضائي.

وتشدّد المصادر السنيّة على وجوب التقيّد بالكتاب الذي رفعه وزير العدل إلى رئاسة الحكومة، وتقول: «إذا إستلموا المركز (الثنائي الشيعي) لن يتخلّوا عنه في ما بعد، لأنه يعدّ من أهم المراكز القضائيّة في لبنان، وسيتم لاحقاً إرضاء السنّة بأي مركز قضائي آخر».

توازياً، تكشف مصادر قضائية لـ»نداء الوطن»، أنّ طلب الوزير المحافظة على الأعراف السائدة في المراكز، لجهة ضمان تمثيل المسلمين كما المسيحيين فيها، أو الإبقاء على تمثيلهم في تلك المراكز يعود إلى غياب التعيينات والتسليم بتسيير المراكز الأساسيّة عبر التكليف أو الإنابة. الحالة التي لا تقتصر مفاعيلها على مدة زمنيّة قصيرة، بل قد تمتد إلى ما يزيد على السنتين في العديد من الحالات، وينتهي المطاف بتكريس واقع جديد، يساهم في إطاحة التوازن الطائفي في المراكز الأساسيّة في الدولة.

ومع تأكيد أوساط العدلية أنّ كتاب الوزير غير مرتبط حصراً بالشغور المرتقب في النيابة العامة التمييزية، توضح بعيداً عن مقاربة الأسماء المطروحة لمتابعة مهمات النائب العام التمييزي، أنّ مبدأ المطالبة بمراعاة التمثيل الطائفي خلال التكليف أو الإنتداب ينطبق على القضاة الذين يطالهم قانون الموظفين رغم السلطة المعطاة لهم.

وتلفت إلى أنّ هذا التنبيه يتزامن ورفضه شروع حكومة تصريف الأعمال المستقيلة، القيام بسلسة تعيينات في ظلّ الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، وأنه يأتي ليشمل الإجراءات المتّبعة للإستعاضة عن الحالة القانونية للتعيين، والتي تتمّ من خلال ملء الشغور بالإنابة أو بالوكالة أو بالإنتداب.

ووسط الإشارة إلى تعذّر الولوج إلى الإنتداب أو الوكالة اللتين تصدران عن مجلس الوزراء أسوة بالتعيين، تلفت مصادر العدلية نفسها، إلى أنّ التنبيه يسري على الإنابة التي تأتي حكميّة بحلول الموظف الأعلى درجةً في المركز الشاغر، أكان في القضاء أو في المؤسسات والإدارات العامة، كما على التكليف في المواقع الدقيقة أكان لجهة الفئة الأولى أو الثانية، بحيث يتم تكليف موظفين أو قضاة لملء المركز الشاغر من خلال الإستعانة بآخرين من خارج الدائرة ذاتها.

وتؤكّد الأوساط المتابعة أنّ وزير العدل كان بصدد إقتراح نائب عام تمييزي من ضمن سلة لملء المراكز الشاغرة الأخرى، وإن تعذّر التوافق عليها لا يحول دون قيام رئيس مجلس القضاء الأعلى بتكليف نائب عام تمييزي بعيداً عن اللجوء إلى التعيين من خلال مجلس الوزراء، والذي يتطلب إقتراحاً من وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى على الإسم المقترح.

وبذلك، تضيق مروحة الخيارات على أعتاب ساعات من بلوغ القاضي غسان عويدات السنّ القانونية للتقاعد؛ فإمّا أن يعمد الرئيس الأول لمحاكم التمييز القاضي سهيل عبود إلى تحمّل المسؤولية والمبادرة إلى تكليف قاضٍ، يتقدّم إسم القاضي جمال الحجّار على سواه لتولي مهمات النائب العام التمييزي خلال اليومين المقبلين، وإما أن تجد القاضيّة ندى دكروب نفسها في 22 شباط 2024 نائباً عاماً تمييزياً، وتباشر عملها على رأس النيابات العامة في لبنان.