تموز يخذل اللبنانيين وحرارته تكويهم

ما كان ينقص لبنان إلا «النينيو» لتكتمل دائرة مصائبه، ويكتوي بلهيب تموز الذي لامس الإحساس بحرارته درجات غير مسبوقة. لكن ما يجبر خاطرنا أن لبنان لا يشذّ هذه المرة عن القاعدة ويواكب ارتفاع الحرارة في الكوكب أجمع. ظاهرة الاحترار وصلت إلى الخطوط الحمر كما يفيد الخبراء وما الحرائق وموجات الحر التي بدأت تشهدها أوروبا هذا الصيف إلا تجسيد لهذا الخطر. ولبنان الذي تعود على «برونزات» تموز يشهد اليوم موجة حر قوية يجهد في مواجهتها.

تعودنا أن يكون تموز لطيفاً يشهد ثلاثة أيام حارة تليها ثلاثة يهب فيها هواء غربي يلطف الأجواء. صحيح أن «في تموز تغلي المي في الكوز» لكن أن تغلي معها أجسادنا وبيوتنا وطرقاتنا وشواطئنا فهذا أمر غير معهود عندنا. لم نعتد وصول الحرارة الى 34 او 35 درجة مئوية مع إحساس بالحرارة يفوق ذلك بدرجات لكن حين ننظر الى درجات الحرارة التي تشهدها البلدان العربية من حولنا: سوريا، الأردن، العراق والخليج الذي لامست الحرارة فيه 50 درجة مئوية أو الى أوروبا الغربية وما يصيبها من حرائق وحرارة ندرك أن ثمة شيئاً ما يحدث على صعيد الكوكب. إنها مجموعة عوامل بيئية ومناخية بدأت تهدد كوكب الأرض.

القبة الحرارية

في حديث مع الخبير البيئي والمناخي ورئيس حزب البيئة العالمي د. ضومط كامل حاولنا معرفة أسباب ارتفاع الحرارة الذي يشهده لبنان رغم أن ما يعيشه بلدنا اليوم ليس ظاهرة منفصلة بل تدخل ضمن موجة الحر التي تصيب أوروبا والولايات المتحدة وشرق آسيا والشرق الأوسط. «الاسباب متعددة لكن الخوف الأكبر هو أن تتمدد القبة الحرارية وتتبدل طبقات الجو العليا من باردة الى ساخنة جراء احترار الكتل الهوائية الضخمة المتحركة.نسأل ما هي هذه القبة؟ فيجيب الخبير أن طبقات الجو العليا تتمثل بطبقة باردة جداً، حين تصلها الرطوبة تتحول الى ذرات ثلجية وتتساقط أمطاراً وثلوجاً. لكن في الفترة الأخيرة انخفضت سماكة القبة الباردة فصارت تستهلك الرطوبة التي تصلها بشكل سريع حيث ان مرور الكتل الرطبة من مناطق حارة الى طبقات الجو العليا الباردة يحصل بسرعة تنتج عنها أمطار غزيرة وسيول وفيضانات. اليوم علماء البيئة خائفون من تحول القبة الباردة الى قبة حرارية يؤدي وجودها فوق بعض المناطق الى تراجع في نسبة المتساقطات وارتفاع في درجات الحرارة. وهذا الأمر ينعكس تدميراً للمزروعات وتراجعاً للغطاء الأخضر وتصحّراً وهجرة للشعوب. ومعروف ان شرق المتوسط يشهد تراجعاً في القبة الباردة وحرارة مرتفعة في طبقات الجو العليا».

تمدد القبة الحرارية ناجم عن الاحترار الذي يشهده سطح الأرض بفعل عوامل عدة، أما سببه الأول وفق الأبحاث والدراسات التي أجراها د.كامل فهو احتراق مئة مليون برميل بترول يومياً وما ينجم عنه من حرارة عالية. منذ العام 1980 تبدل الوضع البيئي وازداد استهلاك الوقود الأحفوري وهذه السنة بالذات ازداد هذا الاستهلاك نتيجة الحرب الروسية -الأوكرانية كما شهد بعض الدول عودة الى استخدام الفحم الحجري بشكل مكثف. ومعلوم أن احتراق 1000 برميل زائد يومياً يؤثر بشكل جنوني على الكوكب الذي صار متخماً بالحرارة. وما يزيد من الاحترار انخفاض المساحات الخضراء وامتصاص المحيطات والبحار ما يكفيها من الحرارة وغاز ثاني أوكسيد الكاربون إضافة الى احترار الكتل الهوائية وفقدان التوازن بينها وبين الكتل الباردة.