المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الخميس 2 أيار 2024 15:48:21
أعادت قوارب نقل النازحين السوريين من لبنان نحو قبرص، توجيه الأنظار إلى ملف النازحين وانعكاساته على لبنان في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. والمفارقة أن المجتمع الدولي، سيّما الاتحاد الأوروبي، لم ينتفض لتقليص المساعدات المالية التي تُقَدَّم إلى الأسر اللبنانية والفلسطينية لدعم المجتمع المضيف للنازحين، تحت عباءة خطة الاستجابة للأزمة السورية، لكنّه سارَعَ لبحث سبل التخفيف من هجرة النازحين بحراً، بعدما تزايدت وتيرتها وأصبحت تشكِّل "خطراً" على قبرص ودول الاتحاد الأوروبي.
آلية تقديم المساعدات
يحظى النازحون السوريون في لبنان بمساعدات أساسية من جهتين رئيسيّتين، هما برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة WFP الذي يقدّم قسائم غذائية لعائلات النازحين، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR التي تقدّم مساعدات مالية مباشرة وغير مباشرة للنازحين وللمجتمع المضيف. على أنَّ برامج الأمم المتحدة تقلّص تباعاً عدد الأسر المستفيدة من المساعدات المالية والغذائية، ومعها يتراجع حجم الأسر اللبنانية المستفيدة.
وآخر مظاهر التقليص، هي تبلُّغ وزير الصحة فراس الأبيض، من وفد المفوّضية، اليوم الخميس "تقليص الميزانية المخصّصة للصحة تحت وطأة الأزمات العالمية المتتالية في السنوات الأخيرة. وبموجب ذلك ستتدنى سقوف التغطية الصحية للنازحين السوريين المسجلين على لوائح المفوضية إلى النصف". واستغرب الأبيض "تخلّي المجتمع الدولي عن مسؤولياته الانسانية حيث كانت نسبة تحمل لبنان عبء النزوح، منذ بدء أحداث سوريا، أكبر بكثير من المجتمع الدولي، ويُطلَب منه اليوم تقديم المزيد رغم أنه ينوء تحت أعباء أزمة مالية غير مسبوقة".
مقابل تخفيض الدعم عبر برامج الأمم المتحدة، يبرز دعم أوروبي أُعلِنَ عنه في مؤتمر صحافي مشترك في السّراي الحكومي، جمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيسة المفوضية الأوروبيّة أورسولا فون دير لاين، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس . لكن هذا الدعم له مسارات مختلفة عن دعم برامج الأمم المتحدة، وفق ما تؤكّده مصادر متابعة للملف، في حديث لـ"المدن".
فالدعم الأوروبي وإن كان يصبّ في خانة تمكين لبنان من مواجهة انعكاسات أزمة النزوح، إلاّ أنه "لا يستدعي بالضرورة إعادة توسيع حجم الدعم المالي والغذائي المقدَّم للأسر السورية أو المجتمع المضيف". وتشرح المصادر أن الدعم الآتي عبر برامج الأمم المتحدة "تقرّره دول عديدة، منها داخل الاتحاد الأوروبي ومنها خارج الاتحاد، كالولايات المتحدة الأميركية واليابان مثلاً، وهذه الدول غير مُلزَمة بالمشاركة في تقديم المساعدات التي يعلن عنها الاتحاد الأوروبي. كما أن سياق المساعدات المنتظرة من الاتحاد الأوروبي، مختلفة، فهي ستتوجَّه نحو مكافحة التهريب وتمكين السلطات العسكرية اللبنانية من ضبط الحدود اللبنانية السورية". وبالتالي يمكن القول أن المساعدات الأوربية هي مساعدات للدولة وليست للنازحين أو مضيفيهم.
وفي السياق، تؤكّد رئيسة المفوضية الأوروبية، أنه "منذ عام 2011 دعم الاتحاد الأوروبي لبنان بمبلغ 2.6 مليار يورو، ليس فقط للاجئين السوريين، وإنما أيضاً للمجتمعات المضيفة".
المساعدات لا تلغي الهجرة بحراً
بما أن المساعدات المالية للنازحين تتقلَّص، فإن خيارهم بالهجرة بحراً نحو الاتحاد الأوروبي، لن تتوقَّف. ومن غير المرجَّح أن تحدّ المساعدات الأوروبية المنتظرة، من موجة الهجرة لأن "هناك أسباباً أعمق من المساعدات، تدفع السوريين للهجرة"، وفق المصادر التي تقول بأن "عائلات كثيرة من النازحين السوريين تفضّل الهجرة من لبنان بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة. وهو سبب رئيسي يدفع أرباب العائلات لاتخاذ قرار بالمخاطرة والذهاب بحراً نحو أوروبا".
وبين تقديم المساعدات وتنظيم الهجرة أو تقليصها، خيوط تربط بين الهموم الإنسانية والسياسية. وهذا ما يدفع المصادر إلى التنبيه من "عدم قراءة ما يحصل بصورة سطحية والانزلاق في المغالطات والأقاويل، خصوصاً وأن الملف فيه جانب سياسي يتمثّل بأن قبرص والدول الأوروبية لا يريدون توسيع حجم هجرة النازحين من لبنان باتجاههم. ولعلّ قبرص هي المتضرّر الأول لأنها بوابة وصول النازحين المهاجرين، وهي تحرَّكَت سابقاً ورفعت الصوت، لكن لم تُحَلّ الأزمة، فسارعت إلى "توريط" الاتحاد الأوروبي في عملية تقديم المساعدات لكي تصبح المشكلة أوروبية عامة لا قبرصية خاصة، ولذلك كان التوجّه نحو لبنان ضرورياً لمعالجة تسارع موجات الهجرة في مهدها".
وتلفت المصادر النظر إلى أنه "كلّما أبدى لبنان استعداداً لضبط الهجرة بحراً، كلّما زادت المساعدات للدولة، خصوصاً عبر الاتحاد الأوروبي، وليس عبر برامج الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن الإفراج المساعدات الأوروبية المفترضة، لا ينفصل عن ضرورة قيام لبنان بالإصلاحات السياسية والإدارية المطلوبة منه على مستوى دولي، لأن المساعدات تأتي من خلال الحكومات التي تمثِّل الشعوب التي تدفع الضرائب، أي ان تلك الأموال هي أموال مواطنين سيُسائلون حكوماتهم عن أموالهم التي تضيع في دول يحكمها الفساد، في حين أنهم يتصوّرون أن أموالهم تذهب فعلاً لمساعدة نازحين ومحتاجين".
خيار آخر للبنان
في المقابل، لا يمكن تجاهل خيار آخر لدى الدولة اللبنانية، لا يرتبط بالمساعدات، بل بوصول أزمة النازحين إلى مستوى خطر داخل لبنان، ما يستدعي إجراءات حاسمة، تبدأ بغضّ نظرٍ عن زيادة الهجرة بحراً طالما أن ضبط الحدود مع سوريا غير ممكن أو غير وارد. مع أن الموقف الرسمي اللبناني في هذا المجال، يقول بضرورة ترحيل السوريين إلى مناطق آمنة داخل سوريا، وهو ما عبَّرَ عنه ميقاتي بالقول أنه "انطلاقاً من واقع سوريا حالياً، المطلوب كمرحلة أولى الإقرار أوروبياً ودولياً بأن أغلب المناطق السورية بات آمنة، ما يسهل عملية إعادة النازحين، وفي مرحلة أولى الذي دخلوا لبنان بعد العام 2016 ومعظمهم نزح إلى لبنان لأسباب اقتصادية بحتة ولا تنطبق عليهم صفة النزوح".
ملفّ النزوح وهجرة النازحين لا يمكن أن يُقفَلَ سريعاً، حتى في ظل تقديم المساعدات المادية والعينية للدولة أو النازحين. فهو ملفّ متشعِّب يغذّيه استمرار الحرب في سوريا والمنطقة والعالم. ولذلك، تفضِّل الدول المنغمسة في هذا الملف، استمرار تقديم المساعدات وإن تقلَّصَت، لكن شرط عدم تحويل ضغط النازحين إلى أوروبا. ومن غير المستبعد أن تتحرَّكَ الأمم المتحدة في أي وقت، لإعادة توسيع حجم مساعداتها عبر برامجها، إذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي السيطرة على موجات الهجرة. فالاتحاد سيضغط على باقي الدول للتدخّل ودعم إبقاء النازحين في لبنان بشتّى الطرق.