تنامي الشغور في الهيئات القضائية العليا ولا مَن يسأل

ينطبق وصف "عام زيادة الشغور" في الهيئات العليا على العام القضائي المنتهي مع بدء العطلة القضائية الاثنين الماضي لشهرين متواصلين حتى ١٥ أيلول ضمناً لتشهد بعد شهر من بداية السنة الجديدة وتحديداً في ١٤ تشرين الأول ولاية الأعضاء الأربعة الباقين من أصل سبعة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى الذي يترأسه القاضي سهيل عبود. فضلاً عن غياب نائبه النائب العام التمييزي بالأصالة ويشغل هذا المركز حالياً بالتكليف القاضي جمال، وكذلك رئيس هيئة التفتيش القضائي المشغول بالإنابة من القاضية سمر السواح، وهما لم يشاركا في أعمال مجلس القضاء لأنه لا يحق لهما ذلك قانوناً لأن هذين المركزين يُشكلان ركنين أساسيين من أركان القضاء الثلاثة مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ويُعيَّنان بمرسوم حكومي، الى الشغور الذي يعتري المجلس العدلي. ولا يبدو أن اقتراح وزير العدل القاضي هنري خوري سيتحقق بتكليف أربعة قضاة من رئيسة غرفة في محكمة التمييز القاضية سهير الحركة الوحيدة بالأصالة من رؤساء عشر غرف في هذه المحكمة، وثلاثة مستشارين أصيلين من محكمة التمييز والأسماء المطروحة لملء مقعدين شيعيين، ومقعد سني شغر بتكليف القاضي الحجار ومقعد للأقليات. لقد اجتمع مجلس القضاء مرتين حول هذا الاقتراح من دون الوصول إلى نتيجة وثمة أصداء عن اعتراض اثنين من القضاة المطروحين على عدم صدور قرار تعيين أعضاء المجلس بمرسوم حكومي أصولاً. وللأسباب ذاتها تعتبر أوساط قضائية أن اللجوء إلى التكليف بقرار قضائي قد يصطدم بالنتيجة ذاتها. وثمة من يذهب إلى أن ثمة نية سياسية بعدم سد الشغور في المجلس العدلي كحال عدم توصل القاضي عبود إلى ملء الفراغ في الهيئة العامة لمحكمة التمييز، المتوقفة عن الإلتئام منذ حوالى عامين وتوقف معها بت الملفات العالقة أمامها بالجملة وفي مقدمها تلك المتفرعة من ملف انفجار المرفأ. ومرَدّ هذه الفراغات عدم إقرار التشكيلات الجزئية لعدم توقيع وزير المال يوسف خليل عليها. وكذلك قبله لم يوقع الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون على التشكيلات العامة لإبعادها قضاة محسوبين على العونيين من مراكز أمامية وفي مقدمهم تبديل مركز النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون. ولو قُدِّر لواحد من مشروعي التبديلات القضائية أن يأخذ طريقه إلى الصدور لَحدَّ من الفراغ الحاصل في الهيئات القضائية العُليا في مقابل غياب حماسة المسؤولين السياسيين لمداواة هذا الخلل.

هذا الخلل طاول القضاء كمؤسسة في الدرجة الأولى حيث تتهاوى هيئاتها الرئيسية واحدة تلو الأخرى وكأن ما يجري في بلد آخر من الدول النامية، مثلما شلّ جزئياً هذه المؤسسة التي يتطلع إليها العامة موئلاً لمكافحة ملفات الفساد والفاسدين فلا تكون الملاحقات حكراً على الصغار، على قول أحد القضاة. وانعكس هذا الخلل أيضاً على التحقيق المجمّد في ملف انفجار المرفأ حيث فشلت المحاولات في إعادة وضعه على السكة حتى الآن. وواضح أن أيّاً منها لم يُحقق أي تقدم لا من حيث تجزئة المدعى عليهم من سياسيين وأمنيين وقضائيين عن الآخرين، ولا ما حُكي عن جعل هيئة قضائية تُعيّن بمرسوم حكومي للنظر في الادعاء على النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات من خلال تقديم مذكرة بدفوع شكلية للمحقق العدلي. ويُتداول في الأروقة تساؤل عن مدى توجه القاضي بيطار بطلب إلى النيابة العامة العامة التمييزية لمعرفة نتائج استنابات كان قد أصدرها في سياق تحقيقاته في هذه القضيّة أو إصدار استنابات جديدة ما دام طلب مكتب الادعاء عن أهالي ضحايا المرفأ في نقابة المحامين في بيروت عالقاً لدى النيابة العامة التمييزية بسبب قرار مُتخذ من النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات لجهة عدم تنفيذ قلم النيابة العامة التمييزية أي إجراء صادر عن المحقق العدلي. مثلما تساءلت عن مدى أن يكون النائب العام التمييزي الخلف مُلزماً بقرار غير صادر عنه؟ واستطراداً ذُكِر في وقت سابق أن القاضي بيطار سيضع قراره الاتهامي قبل نهاية السنة الحالية تمهيداً لإحالته على المجلس العدلي، وهو في الغضون يستمر في التردد إلى قصر العدل منذ آذار الماضي في إطار تنسيق هذا الملف المترامي بعدد صفحاته الكثيفة، فأيّ من الخيارَين سيتقدم على الآخر؟

في مجال قضائي آخر شغل قسطاً من العام القضائي ملف النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمام الهيئة القضائية العليا للتأديب من خلال عقد جلسات عدة لتتوقف هذه الهيئة عن المتابعة بحلول العطلة القضائية، في مقابل إحالة جديدة لها على التفتيش القضائي من القاضي الحجار إثر عدم تجاوبها مع طلبه ايداعه ملفات تتعلق بمصارف كانت قيد النظر أمامها للاطلاع عليها استتبع بطلبه إلى الضابطة العدلية بعدم تنفيذ أي إجراء يصدر عنها لا يزال سارياً تقدمت بمراجعة في صدده أمام مجلس شورى الدولة. ورغم هذا التحرك والتحرك المضاد دخلت هذه الجبهة بمرحلة من الهدوء أمام القضاء العدلي وكذلك أمام القضاء الإداري حيث ستستنفد التبليغات والردود على هذه المراجعة العطلة القضائية بسبب المهل القانونية.

ويشهد الشورى بدوره أربع من أصل خمس غرف لديه مرؤوسة بالإنابة ولا يجيز القانون إلا لرئيس الغرفة الأصيل المشاركة في عضوية مجلس القضايا مع ثلاثة مستشارين يعيّنون مطلع كل سنة إلا أن نصاب عقد جلسات هذه الهيئة برئاسة القاضي فادي الياس لا يزال متوفراً بأربعة أعضاء وأحياناً يتعذر عليه ذلك بداعي توعّك أحد الأعضاء نظراً إلى وضعه الصحي.

ولا يزال مطلب القاضي الحجار بتعيين مساعدَين له في المراوحة بذريعة الـ٦ و٦ مكرر.