المصدر: الأنباء الكويتية
الخميس 23 كانون الاول 2021 00:49:12
قرار «اللاقرار» الذي خلص إليه المجلس الدستوري، في موضوع طعن التيار بالتعديلات على قانون الانتخابات، يعكس حالة اللاقرار السائدة في لبنان على مختلف مستويات مؤسسات الدولة. وهذا لا يشكل سابقة، ففي عامي 2005، و2013 فشل المجلس في قبول الطعن بالتمديد لمجلس النواب، بعلة عدم اكتمال النصاب، فتركيبة المجلس الدستوري التي تجعل منه مجلسا «ملليا» تجتمع به الطوائف كافة، كما مختلف المجالس والمؤسسات الحكومية، تجعل منه أداة طيعة بين أيدي الزعماء السياسيين، بل أشبه برقعة شطرنج سياسية بيادقها من أهل الحكم الخبراء في اللعب على القوانين المفصلة وفق مصالحهم.
واللافت ان أعضاء المجلس الدستوري انقسموا سياسيا بمعزل عن خلفيتهم الدينية، بدليل ان الأعضاء الأربعة الذين عطلوا القبول بالطعن المقدم من التيار الحر هم الشيعيان عوني رمضان وفوزات فرحات، ومعهم العضو الدرزي رياض أبوغيدا، والأرثوذكسي ميشال طرزي، ما يعني التقاء الثنائي الشيعي مع الدرزي القريب من الحزب التقدمي الاشتراكي الى الأرثوذكسي القريب من خط المعارضة المسيحية.
في المقابل كان هناك 6 أعضاء الى جانب الطعن، ومنهم رئيس المجلس الماروني طنوس مشلب، الذي اختاره الرئيس ميشال عون لرئاسة هذا المجلس، والمارونية ميراي نجم، والأرثوذكسي البير سرحان والكاثوليكي الياس شرقاني، والسنيان اكرم بعاصيري وعمر حمزة، المفترض انهما من جو تيار المستقبل.
وقد تغلبت أقلية الأربعة على أكثرية الستة، بسبب كون نظام المجلس الدستوري يتطلب لاعتماد القرار سبعة أعضاء من أصل العشرة.
وهكذا تمكن الاستحقاق الانتخابي، حتى الآن، من اجتياز حقول ألغام الصفقات والتسويات السياسية، وبات احتساب الغالبية في مجلس النواب، 59 نائبا لا 65، لأن عدد النواب المستقيلين أو الذين توفاهم الله لا يدخلون في احتساب الأكثرية المطلقة، وان الميغاستور تم الغاؤه وان رسم الترشيح للانتخابات هو 30 مليون ليرة، وان وزير الداخلية يؤلف بقرار لجان القيد بعد الأخذ برأي مجلس القضاء الأعلى وان سقف الانفاق الانتخابي للائحة هو 750 مليون ليرة.
وثمة أمر آخر، لا بد من أخذه بعين الاعتبار، فبعد موقف المجلس الدستوري، بات على الفرقاء السياسيين ان يدركوا أن إمكانيات وضع اليد على سائر مرافق الدولة ومؤسساتها، وعلى التعيينات الديبلوماسية والإدارية والقضائية، وحتى العسكرية، لم تعد بمتناول اليد.
على أن أولى ضحايا هذه العصف القضائي - السياسي، هي اجتماعات مجلس الوزراء، التي مازالت معلقة على جدار ثنائي حزب الله وأمل، وشرطهما الصعب بإطاحة القاضي العدلي طارق البيطار المكلف تحقيقات انفجار المرفأ.
ويبدو ان اتكال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على عمل اللجان الوزارية سيطول، وكذلك استعانة الرئيس عون بالمجلس الأعلى للدفاع لاتخاذ الإجراءات الضرورية، كما حصل في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أمس، تحت عنوان تمديد حالة التعبئة الصحية العامة، في مواجهة كورونا ومتحوراتها في عطلة الأعياد.
وقد قرر المجلس تمديد اعلان التعبئة العامة ابتداء من مطلع العام حتى نهاية شهر مارس والإبقاء على الإجراءات والتدابير المقررة سابقا، كما طلب إلى الأجهزة العسكرية والأمنية أن تكون على أهبة الاستعداد. واتخذ المجلس بعض القرارات التي تتعلق بالأوضاع العامة وذات الطابع الأمني.
وعرج عون خلال الاجتماع على المسألة الحكومية، وقال «ان مقاطعة جلسات مجلس الوزراء فعل إرادة من أعضاء موجودين فيه وهذا غير مقبول، وعلى كل وزير ان يقدر خطورة الموقف».
واعتبر ان ما يحصل عمل ارادي. وأضاف «يجب انعقاد مجلس الوزراء وتحمل الجميع مسؤوليته، وأنا لست ملزما بالتوقيع وحدي على أي قرار، ولا يمكن لأي توقيع اختصار مجلس الوزراء في ظل حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية».
ولفت الى «ضرورة متابعة عمل بعض الجمعيات الأهلية لاسيما بعد توافر معلومات عن تمويل خارجي لها للقيام بأنشطة سياسية في مرحلة الانتخابات النيابية المقبلة، خلافا للأهداف التي أنشئت من أجلها، وهي أهداف اجتماعية وإنسانية».
من جهته، لفت ميقاتي الى وجود خشية من ان تقود الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء البلاد الى أماكن أخرى او الى تصدع يجب التعاون لتفاديه. وقال: «انا حريص مثل رئيس الجمهورية على انعقاد مجلس الوزراء، لاسيما أننا جميعا متضررون من عدم انعقاده، ونأمل ان نتمكن قريبا من الدعوة الى عقده لمعالجة المواضيع الملحة». ودعا المسؤولين «الى تقريب المواقف ووجهات النظر وليس زيادة الشرخ، وهذا دورنا ونهجنا وسنعمل من اجل تحقيقه».
وكان رئيس التيار الحر جبران باسيل، رفع سقف مواقفه بالهجوم على «الثنائي الشيعي» لكن مصادر متابعة، قللت لـ «الأنباء» من أهمية حملة باسيل هذه وتحديدا على حزب الله الذي تجمعه بهم مذكرة تفاهم معروفة، مشيرة إلى أن كل ما حصل، حول هذا الموضوع متفاهم عليه، بين أطراف «التسوية» تبعا لاحتياجات كل منهم السياسية خصوصا.
الرئيس نبيه بري اعتبر في تصريح له ان قرار المجلس الدستوري صدر ولا تعليق له عليه، رافضا التعليق على تصريحات جبران باسيل.
وتقول المصادر ان الغرض من كل هذا تهدئة الأوضاع السياسية خلال فترة الأعياد، تأمينا لاستمرار تدفقات اللبنانيين العائدين من المغتربات لزيارة أقاربهم. وان هذا الوضع المستقر سيستمر الى ما بعد عطلة الأعياد، اما العودة الى الحراك السياسي الفعلي، فستبدأ من لحظة توجيه وزير الداخلية دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات، عندها يمكن ان يفتح صندوق النقد الدولي ابوابه امام لبنان.